المقالات

إذا مللت من لندن… فقد مللت من الحياة ذاتها!!

تبقى مدينة لندن، المدينة ذاتها، وعلى حدّ تعبير الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-: «لندن لا تعرف أحداً: لا تحب أحداً ولا تكره أحداً، لا تهش للقاء أحد، ولا تجزع لفراق أحد».

وكما يتردد على الألسن حول العالم: «هنا لندن»، مدينة إنجليزية للنخاع، إلا أنها متعددة الأجناس والأعراق، ينجذب إليها الناس من كافة أنحاء العالم. هذه التعدُّدية جعلتها مكانًا ذا إمكانات غير محدودة؛ يمكنك مشاهدة فيلم للسينما الفرنسية، أو تناول فطور بنكهةٍ عربية، أو غداء لذيذ في مطعم لبناني، أو عشاء فاخر في أحد المطاعم الهندية.

المدينة التي زرتها لأول مرة عام 1987م، مع بداية بعثتي لدراسة الدكتوراه في جامعة ويلز، لا يزال في الذاكرة حين استأجرت غرفة عائلية في ميدان «بالجريف» القريب من الملحقية الثقافية السعودية مقابل 18 جنيهًا إسترلينيًا في الليلة مع وجبة الإفطار.

خلال مدة بعثتي إلى بريطانيا، التي امتدت لأربع سنوات كاملة، كنت دائم التردد إلى لندن. كنت أجد متعة مع العائلة أثناء زيارة معالمها ومَسارحها ودور سينماها وأسواقها التجارية ومكتباتها العريقة وقصورها الأثرية، وشوارعها المشهورة مثل أكسفورد وريدجنت وشارع العرب (أجورد روود)، وحدائقها ومن أشهرها حديقة الهايد بارك وحديقة جيمس، ناهيك عن بعض المدن والقرى القريبة مثل جرينتش وأكسفورد.

لندن التي استقبلت فيها والدي الحبيب -رحمه الله- ووالدتي الكريمة (أطال الله في عمرها صحةً وعافية) حين وصلا مع العائلة لزيارتي والاطمئنان عليّ أثناء البعثة، لا تزال في الذاكرة؛ حين حجزت لهما غرفًا للسكن لثلاث ليالٍ في فندق «دولشيستر» العريق في منطقة الباركلين أمام حديقة الهايد بارك.

قمت مع الوالد -رحمه الله- بزيارة المركز الإسلامي في حديقة ريجنت بارك، وزرنا سوق الجاليات في شمال لندن المسمى (شبر بوش) وتناولنا الأكلات الشعبية في السوق كالطعمية والكباب وغيرها؛ ثم صحبت الوالد وإخوتي لزيارة المكتبة الوطنية البريطانية في شارع «مارشم» القريب من محطة قطارات الشمال، ثم متحف مادام توسو الشهير في بداية الشارع نفسه.

إنها المدينة التي لا تهدأ؛ تجد سكانها والخليط العجيب الذي يجمعهم من تعدد ثقافات ولهجات ولغات وعادات، وصحفها من «التايمز» إلى «الغارديان» وغيرها، لدرجة أن لندن أصبحت عاصمة للكلمة المكتوبة. زرنا ساعة بيغ بن كصوتٍ لمدينةٍ يستمع إليه الكثير من الزوار ويطربون لسماعه، حتى صارت ساعة بيغ بن أحد معالم المدينة.

وزرنا بعض جامعاتها العريقة مثل كلية الملوك (King’s College) وكلية الفنون والتصاميم في شارع رشم، وجامعاتها التي أصبحت منارات للعلم والمعرفة وتخرج فيها كثير من العلماء ورجالات الدولة من بريطانيين وأجانب.

استعملنا مواصلاتها المختلفة من قطارات الأنفاق وعربات الأجرة السوداء التي تُعدّ من معالم المدينة، بالإضافة إلى حافلاتها الحمراء. كانت زيارةً جميلة لا يزال الأهل يتذكرونها كلما ذُكرت لندن.

وأختم بما قاله المؤرخ والناقد البريطاني صمويل جونسون (1696–1772م) عن لندن: «إذا مللت من لندن… فقد مللت من الحياة ذاتها».

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أخى معالى الدكتور بكرى عساس
    وصفت معشوقتك لندن بأوصاف الإعجاب والذكريات الجميله مع أغلى شخصين وأجلّهما فى حياتك وهما والديك وأم عيالِك ولا شك أنها تستحق ذلك الوصف الذى يعبّر عن الإعجاب الحقيقى لهذه البلد التى وصفها الدكتور غازى القصيبى رحمه الله بوصف تعبيرى بليغ يمكن تلخيصه فى المثل المكاوى الذى يقول ( فلان أو فلانه زي بيت ططر لا يؤنسه من غاب أو من حضر ) إنها لندن التى لا تمِلّ منها ولا تُمل .

اترك رداً على فؤاد أحمد سليم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى