اليوم الوطني ليس تاريخًا نحتفل به فحسب في هذا اليوم تتقاطع الذاكرة مع الرؤية: ذاكرةُ توحيدٍ صنعه المؤسِّس الملك عبدالعزيز ـ طيّب الله ثراه ـ ورؤيةُ غدٍ تُشيِّدها اليوم قيادةٌ جعلت الإنسان محور التحوّل، والرايةَ الخضراء وعدًا لا ينكسر.
تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تمضي المملكة بميزانٍ يجمع بين ثبات القيم ورشاقة الإدارة حُكمٌ يرسّخ العدل، ويُحكم بناء المؤسسات، ويصون المكانة الروحية للمملكة بوصفها قلب العالم الإسلامي. وعلى خطٍّ متصل، يقود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد ـ حفظه الله ـ مشروعَ تحوّلٍ غير مسبوق رؤيةً تُعيد ترتيب الأولويات حول الإنسان، فتفتح للاقتصاد نوافذ تنوّعٍ وابتكار، وللثقافة والفنون فضاءات إبداع، وللشباب والمرأة منصّات تمكين، وللمدن السعودية هويةً أكثر حداثةً وبهاء.
لسنا أمام «إنجازات» تُعدّ فحسب نحن أمام منطق دولة يتقدّم: تخطيطٌ طويل المدى، جرأةٌ في اتخاذ القرار، محاسبيةٌ تُراكم الأثر، واستثمارٌ في رأس المال البشري بوصفه أصلَ الأصول. المدرسة والجامعة ومراكز التدريب صارت معامل لصناعة المستقبل، وسوق العمل حلبةً لتجويد المهارات لا مجرد أماكن للوظائف. وهكذا يصبح المواطن شريكًا في صناعة النهضة، لا متلقيًا لثمارها فقط.
وفي الأفق الذي ترسمه الرؤية، تنبض المملكة كوجهةٍ عالمية للثقافة والرياضة والسياحة والمعرفة مشاريع تنموية تتخطّى دورها الاقتصادي إلى صناعة هوية حضرية جديدة، وبنيةٍ تحتية ذكية، وقطاعاتٍ خضراء تراعي استدامة الموارد، وتوازنٍ دقيق بين الطموح والالتزام البيئي. هذا كلّه لا ينفصل عن سياسة خارجية رزينة؛ ثابتة المبادئ، عالية الكفاءة، تمتدّ إنسانيًا بإغاثة المنكوبين، وتعمل سياسيًا على ترسيخ الاستقرار وصناعة الشراكات الموثوقة.
إنّ الفخر الحقيقي لا يُقاس بطول العَلم في الميادين فحسب، بل بطول نفسِنا في ميادين العمل. وما أكثر ما يتطلّبه الغد منّا: مواطنٌ يقرأ ويفكّر ويبتكر؛ موظفٌ يَصدُق ويُتقن؛ قياداتٌ تُلهم وتُمكّن؛ وإعلامٌ يرفع منسوب الوعي لا الضجيج. فكلُّ واحدٍ منّا مدعوٌّ لأن يكتب جملته الخاصة في «مقال» الوطن: بحثًا علميًا، مبادرةً مجتمعية، خدمةً تطوعية، شركة ناشئة، درسًا مُتقنًا، أو موقفًا أخلاقيًا لا يلين.
اليوم الوطني مناسبة فرح، لكنه أيضًا امتحان وعي: هل نرى وطننا كما يجب أن يكون، فنرتقي إليه؟ وهل نرى أنفسنا كما ينبغي أن نكون، فنُصلحها؟ إنّ رفعة الأوطان تبدأ من صرامة المعايير في التفاصيل الصغيرة؛ من احترام الوقت في المؤسسات، إلى نظافة الحيّ، إلى دقّة البيانات في التقارير، إلى عدالة التقييم وفرص التقدّم. هناك، في التفاصيل، تُصان المنجزات الكبيرة.
نرفع اليوم الراية الخضراء وقد اشتدّ عودنا، وتوسّع أفقنا، وتعمّق شعورنا بالمسؤولية. نُجدّد البيعة والولاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولسموّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ حفظهما الله ـ ونُجدّد معهما العهد: أن نبقى على القيم التي قامت عليها هذه البلاد، وعلى الإتقان الذي يليق باسمها، وعلى الشجاعة التي تفتح للغد أبوابه.
كلّ عامٍ ووطنُنا أعزُّ وأعلى. وكلّ عامٍ ونحنُ أكثر وعيًا بأنّ المملكة ليست مكانًا نعيش فيه فقط؛ إنّها رسالةٌ نعيش لها. حمَى الله السعودية أرضًا وقيادةً وشعبًا، وجعل أيامها أعيادًا من أمنٍ وتقدّمٍ ورفعة.





