المقالات

في يوم الوطن: المملكة بوصلة القرار الدولي!

في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، نحتفي نحن في المملكة العربية السعودية – قيادةً وحكومةً وشعباً – بذكرى اليوم الوطني المجيد. إنه أكثر من مجرد احتفال بذكرى التوحيد؛ فهو تجسيد حي لروح أمة تتطلع دائمًا إلى الأمام، وتحتفل برحلة تطوّر غير مسبوقة من الوحدة إلى الريادة العالمية.

لطالما ارتبط اسم المملكة، لعقود، بكونها القوة الاقتصادية الرائدة في مجال الطاقة، حيث شكل النفط العمود الفقري للاقتصاد العالمي. لكن القيادة الحكيمة أدركت أن قوة الأمم الحقيقية والمستدامة لم تعد تقتصر على الموارد الطبيعية فحسب، بل تمتد إلى قدرتها على التأثير في العقول والقلوب. هذا المفهوم الذي صاغه المفكر الأمريكي جوزيف ناي تحت مسمى “القوة الناعمة”، أصبح الإطار الذي تفهم من خلاله المملكة دورها الجديد في العالم؛ وهو تحقيق الأهداف عبر الجاذبية الثقافية والحضارية والإقناع، بدلاً من القوة التقليدية وحدها. والسعودية اليوم هي النموذج الأبرز على تحويل هذه النظرية إلى واقع ملموس، حيث تتحول بخطى ثابتة وطموحة إلى قوة ناعمة مؤثرة على مستوى العالم أجمع.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، لم تعد مكانة المملكة تقتصر على دورها النفطي والاقتصادي، بل امتدت لتشمل مجالات تأثير متنوعة تعكس تطورها الشامل:

· الجاذبية الروحية والثقافية: تظل المملكة قلب العالم الإسلامي، وهو امتياز تاريخي تعززه بدور فعّال. من خلال رعاية الحج والعمرة وتطوير خدماتها، لا تقتصر المملكة على توفير تجربة روحية سلسة للملايين فحسب، بل تعزز قيم الوحدة والتسامح الإسلامي. وهذا يمثل أقدم وأعمق أشكال قوتها الناعمة.
· التحول الاقتصادي والريادة المستقبلية: في قفزة استراتيجية تاريخية، أطلقت المملكة رؤية 2030 لتنويع اقتصادها وبناء مستقبل مزدهر لا يعتمد على النفط وحده. من خلال استثماراتها الطموحة في مشاريع مثل نيوم، والبحر الأحمر، والقدية، وتطوير قطاعات السياحة والترفيه والتكنولوجيا، تبرز المملكة كمركز اقتصادي وإبداعي جاذب للعالم. وهي، كعضو فاعل في مجموعة العشرين، تلعب دورًا محوريًا في تشكيل سياسات الاقتصاد العالمي ودفع عجلة التعاون الدولي.
· الدور السياسي والدبلوماسي الفاعل: تعززت مكانة المملكة بشكل لافت كوسيط رئيسي وموثوق لإحلال السلام وحل النزاعات الإقليمية والدولية. من خلال سياساتها المتزنة وعضويتها الفاعلة في المنظمات الدولية، أصبحت الرياض مركزًا للقرار والتأثير، مساهمةً في تعزيز الأمن والاستقرار العالمي.
· الثورة الرقمية والتحول التقني: شهدت المملكة قفزة هائلة في مجال التحول الرقمي، لتدخل بقوة في سباق التكنولوجيا العالمية. حيث تبوأت مركزًا متقدمًا في تقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية التي أصبحت نموذجًا يُحتذى به، عبر تطبيقات رائدة مثل “أبشر” و”توكلنا” و”نسك”، مما يسهل حياة الملايين ويعكس صورة لدولة متطورة تقنيًا.

إن اليوم الوطني السعودي هو نظرة على إنجازات الماضي، واحتفاء بالحاضر، واستشراف لمستقبل أكثر إشراقًا. من خلال قوتها الناعمة المتجددة في المجالات الدينية والاقتصادية والسياسية والتقنية، أصبحت المملكة لاعبًا عالميًا لا يُغفل. لقد نجحت في قيادة تحولها التاريخي من اقتصاد أحادي إلى نموذج متعدد الأقطاب مؤثر، ومع استمرار تنفيذ رؤية 2030، فإن دور المملكة الإيجابي في العالم يزداد عمقًا وأهمية يومًا بعد يوم.

وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، و سمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، على الطريق المستقيم، ليواصلوا قيادة رحلة المملكة الطموحة بنجاح، والانتقال بها من قوة اقتصادية إلى فاعل ثقافي وحضاري رائد، مستخدمين أدوات القوة الناعمة لتعريف العالم بصورة المملكة الحضارية الجديدة، وإعادة تعريف دورها الريادي، والإسهام بشكل إيجابي ومؤثر في تشكيل المستقبل العالمي.

أ.د. عصام يحيى الفيلالي

أستاذ سابق – جامعة الملك عبدالعزي

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. فكر راقي وراشد في التحليل وانتقاء وترتيب الأفكار والاستشهادات
    بارك الله فيكم
    فالبيئة التي نعيش تحت حكومة راشدة واعية تنشئ هذا الفكر وتحفز المواطن على الاستمرار
    فالشكر لولاة الأمر حكومة

    1. جزاك الله خيرا واحسن إليك ووفقنا جمبعاً لخدمة ديننا ووطننا

اترك رداً على Lamyaa Abulkhair إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى