
على ملعب الجوهرة المشعة مساء الثلاثاء، وفي تمام التاسعة مساءً، تتجه الأنظار إلى واحدة من أبرز المواجهات العربية المرتقبة هذا الموسم، عندما يلتقي بيراميدز المصري مع النادي الأهلي، ضمن منافسات كأس الإنتركونتنتال. مواجهة تحمل طابعًا خاصًا، ليس فقط بسبب الفوارق الكبيرة على مستوى القيمة السوقية والنجومية، بل لأن بيراميدز يدخلها بوضعية فنية ونفسية تستحق الوقوف أمامها كثيرًا.
موسم استثنائي خلفه.. وطموح كبير أمامه
بيراميدز يدخل هذه المباراة وهو في حالة انتشاء فني ونفسي. رغم البداية المتذبذبة له هذا الموسم في الدوري المصري، والتي وضعته في المركز الرابع برصيد 11 نقطة من 6 مباريات، فإن قراءة ذلك الأداء لا يجب أن تتم بمعزل عن الإرهاق الناتج عن موسم استثنائي خاضه الفريق العام الماضي. موسم 2024-2025 سيظل محفورًا في ذاكرة مشجعي بيراميدز، بعدما نافس الفريق على جميع البطولات حتى الرمق الأخير، وتُوّج أخيرًا بدوري أبطال إفريقيا لأول مرة في تاريخه، على حساب أندية عريقة في القارة.
خسارته للدوري المصري في الجولة الأخيرة أمام الأهلي، وسقوطه في نهائي كأس مصر أمام الزمالك، رغم أنهما كانتا نتيجتين مؤلمتين، إلا أنهما عكستا بوضوح حجم تطور المشروع الرياضي لبيراميدز، الذي لم يعد فريقًا هامشيًا في الكرة المصرية أو القارية، بل بات منافسًا شرسًا ومزعجًا.
فوارق مالية.. لا تعكس بالضرورة الفوارق داخل الملعب
حين نضع القيمة السوقية للفريقين على طاولة المقارنة، يظهر الفارق جليًا؛ بيراميدز بقيمة تبلغ 22.5 مليون يورو، مقابل 173.5 مليون يورو لصالح الأهلي، هذا الرقم وحده قد يُوحي بتفوق كاسح لصالح الفريق السعودي، لكن في كرة القدم، الأرقام لا تلعب وحدها، والتاريخ الحديث يزخر بأمثلة لفرق نجحت في قلب الموازين رغم الفوارق المادية.
بيراميدز ورغم محدودية ميزانيته مقارنة بالأهلي، يمتلك عددًا لافتًا من اللاعبين الدوليين وأصحاب الخبرات، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على صعيد المنتخبات الإفريقية الكبرى. من مصر إلى المغرب إلى الكونغو وبوركينا فاسو، تنتشر أعمدة الفريق في تشكيلات المنتخبات، ما يعكس ثراء فنيًا لا يجب الاستهانة به.
مفاتيح لعب واضحة.. ومنهج تكتيكي منظم
المدرب الكرواتي كرونسلاف يورتشيتش تمكن خلال فترة قصيرة من فرض أسلوبه الواضح على بيراميدز. طريقة 4-2-3-1 التي يعتمد عليها باتت مألوفة للفريق، وتقوم على تنفيذ ضغط عالٍ في نصف ملعب الخصم، في محاولة لاستخلاص الكرة مبكرًا والتحول السريع للهجوم. ما يسهل هذا النهج هو امتلاك الفريق لأسماء سريعة ومهارية في الثلث الأخير مثل مصطفى فتحي، محمود زالاكا، البرازيلي إيفرتون دا سيلفا، وفيستون ماييلي.
إيفرتون، أغلى صفقات الفريق هذا الموسم (2.8 مليون يورو)، بدأ ينسجم تدريجيًا مع طريقة اللعب، وساهم بالفعل بهدف وصناعة في 7 مباريات. ورغم أن الأرقام ليست ضخمة حتى الآن، إلا أن تحركاته تشير إلى إمكانيات أكبر قادمة.
بيراميدز.. فريق العرضيات والإجادة الرأسية
واحدة من أبرز نقاط قوة بيراميدز هي قدرته على استغلال الكرات العرضية، خاصة في ظل وجود عدد من اللاعبين الذين يجيدون التمركز واللعب بالرأس، وعلى رأسهم المغربي وليد الكرتي، الذي سجل أهدافًا حاسمة من كرات عرضية في مواقف مصيرية، آخرها ثنائيته في مرمى الأهلي المصري بالدوري، وهدفه في مرمى صن داونز في نهائي إفريقيا.
يساعده في ذلك ظهيرين يُعدان من الأفضل حاليًا في المنطقة العربية: محمد الشيبي، الذي صنع 30 هدفًا بقميص الفريق، ومحمد حمدي، ظهير منتخب مصر الأساسي، الذي يجمع بين النزعة الهجومية والتوازن الدفاعي. وجودهما يمنح الفريق أجنحة هجومية فعالة لا تقل في تأثيرها عن الأجنحة التقليدية.
قوة هجومية لا يُستهان بها
المهاجم الكونغولي فيستون ماييلي يُعد الورقة الأبرز في هجوم بيراميدز. لاعب قوي بدنيًا، ذكي في التحرك، ويجيد إنهاء الهجمات. منذ انضمامه، لعب 88 مباراة، سجل خلالها 40 هدفًا وصنع 7، وهي أرقام تضعه في قائمة أهم المهاجمين في الدوري المصري مؤخرًا.
كما أن وسط الملعب المدعوم بثلاثي مميز؛ مهند لاشين – قاطع الكرات و”الموازن”، بلاتي توريه – صاحب السيطرة والتمرير، ووليد الكرتي – القادم دومًا من الخلف، يمنح الفريق قوة إضافية في المواجهات الكبرى، حيث يتفوق غالبًا في الاستحواذ على الكرة وتنظيم اللعب، لذلك سيكون الثنائي روجير إيبانيز وميربح ديميرال أمام تحد كبير في هذه المواجهة للسيطرة على هذه التحركات المصرية.
نقاط الضعف.. هل تكون ثغرة يستغلها الأهلي؟
رغم كل ما سبق، فإن بيراميدز لا يخلو من المشاكل. أبرز ما يعاني منه الفريق حاليًا هو عدم الاستقرار الدفاعي. كثرة التبديلات في قلب الدفاع بين أحمد سامي، أسامة جلال، محمود مرعي (الذي غاب للإصابة)، وعلي جبر – الذي تقدم في العمر (36 عامًا) – تسببت في غياب التناغم، وهو ما قد يمثل نقطة اختراق محتملة أمام أسماء مثل رياض محرز وتوني، الذين يمتازون بالسرعة والتمركز، في مثل هذه المباريات، الهفوات الدفاعية لا تُغتفر.
خصم طموح.. لكن المواجهة على أرض مختلفة وبظروف مغايرة
بيراميدز يدخل اللقاء بدافع معنوي جيد بعد فوزه في آخر ثلاث مباريات في الدوري المصري، من بينها انتصار على حامل اللقب الأهلي المصري، لكن كل هذه المعطيات لا تُغير من واقع أن الفريق يدخل أرض “الجوهرة المشعة” لمواجهة نادٍ مختلف في كل شيء: من حيث الجودة، الخبرة، ومتسحلًا بعاملي الأرض والجمهور.
قد يكون بيراميدز خصمًا يجيد استغلال المساحات ويملك لاعبين بأرقام جيدة، لكن المباراة تُلعب في بيئة مختلفة، وأمام جمهور مختلف، ومع مستوى لا مجال فيه إلا لتفوق الحاضر، وليس ذكريات الموسم الماضي.






