
في كل عام، حين تطل شمس الثالث والعشرين من سبتمبر، يقف السعوديون أمام ذكرى خالدة صنعت التاريخ: توحيد المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه ,لكن يبقى السؤال الذي يفرض نفسه : هل اليوم الوطني احتفاء بلحظة مضت فحسب، أم هو جسر يربط بين الأمس والمستقبل، بين ما أنجزه الآباء وما ينتظر أن يحققه الأبناء؟ .
البدايات: من الفرقة إلى الوحدة
قبل قرن من الزمان، كانت الجزيرة العربية أرضًا تمزقها النزاعات، وتفتقر إلى أبسط مقومات الأمن والاستقرار. وسط هذا المشهد، خرج صوت الملك عبدالعزيز معلنًا مشروعًا للتوحيد والنهضة. لم يكن الأمر توسيع رقعة حكم، بل بناء دولة ذات رسالة .
قال الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – كلمات تعبّر عن رؤيته المبكرة
” أنا رجل عملتُ عملاً عظيماً، ولا أقول ذلك تكبراَ، وإنما أقول لأبنائي: أنتم اليوم في نعمة الأمن والرخاء، فاعملوا على حمايتها وصيانتها .”
هذه الكلمات لم تكن وصية فحسب، بل كانت مشروعًا وطنيًا تأسس على قيم الإيمان بالله، والاعتماد على الشعب، والحرص على بناء دولة القانون والعدل فكان له ما أراد بحول الله .
اليوم الوطني: بين الرمزية والدلالة
اليوم الوطني السعودي ليس مناسبة وطنية، تُرفع فيها الأعلام، وتُضاء فيها السماء بالألعاب النارية، بل هو لحظة وعي جماعي. لحظة نتأمل فيها كيف تحولت البدايات المتواضعة إلى كيان ديني ،وسياسي، واقتصادي وثقافي، هو الأهم في المنطقة كافة .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: (ما قيمة أن نتذكر الماضي، إن لم يكن حافزًا لصناعة المستقبل)؟
إن اليوم الوطني يذكّرنا أن الوحدة الوطنية لم تكن منحة، بل كانت ثمرة جهاد وتضحيات، وأن الحفاظ عليها يحتاج وعيًا يوازي عظمة التأسيس .
السعودية اليوم: من الماضي المجيد إلى الحاضر الطموح
في الحاضر، المملكة لا تقف عند حدود الاحتفال بالماضي، بل تنطلق بثبات نحو المستقبل. إن رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم تأتِ من فراغ، بل هي امتداد لروح التأسيس والمبادئ العزيزية التي غرسها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
يقول سمو ولي العهد :
” طموحنا أن نبني وطنًا أكثر ازدهارًا، وطنًا لا يكتفي بما تحقق، بل يفتح الأبواب أمام الأجيال القادمة ليصنعوا معجزاتهم.”
هذه الكلمات الوضيئات إنما تكشف أن (اليوم الوطني) ليس استدعاءً للماضي فحسب، بل هو نقطة انطلاق نحو المستقبل، إذ تُترجم التضحيات إلى إنجازات، وتتحول الطموحات إلى واقع ملموس .
اليوم الوطني والهوية السعودية
الاحتفال باليوم الوطني لا ينفصل عن تعزيز الهوية السعودية التي تشكّلت عبر قرن من الزمان. هوية جمعت بين الأصالة والتجديد، بين الالتزام بالدين الإسلامي، والقدرة على الانفتاح على العالم .
في لحظات الاحتفال، يرفع السعوديون علمًا واحدًا، لكنهم يحملون في قلوبهم معاني أعمق: الانتماء، الفخر، الاعتزاز والإيمان بأن (الوطن بيت، وكل بيت يحتاج إلى من يحميه ويعمره) .
المستقبل: هل يكون اليوم الوطني جسرًا للأجيال؟
يبقى السؤال الأهم: لماذا وكيف ينبغي لنا تحويل اليوم الوطني من فعاليات احتفال إلى أداة لبناء المستقبل؟
الإجابة تكمن في أن يكون اليوم الوطني لحظة تربوية وثقافية، تزرع في نفوس الشباب قيم المسؤولية والانتماء، وتذكّرهم أن الراية التي يرفعونها اليوم هي نفسها التي رفعها الملك عبدالعزيز، لكنها تأمل منهم اليوم أن يحافظوا عليها ويضيفوا إلى مدلولاتها.
يقول سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان :
( لا نعيش على ما صنعه الأجداد فقط، بل نصنع حاضرنا ومستقبلنا بأيدينا، ولن نتوقف حتى نضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة ) وها هي المملكة في المسار الصحيح لتحقيق ذلك .
في النهاية .
اليوم الوطني ينبغي ألا يكون مناسبة سنوية روتينية ، بل ينبغي أن يكون مدرسة مفتوحة للأجيال، ورسالة تقول: ما تحقق على يد الملك عبدالعزيز بالأمس كان بداية، وما يتحقق اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده استمرار، وما سيتحقق لبلادنا غدًا هو أمانة في أعناق الشباب .
فهل نحتفل باليوم الوطني كونه ذكرى، أم نعيشه من واقع أنه مسؤولية؟
القرار بأيدينا، والراية أمانة لن تؤدى كما يجب إلا إذا تحولت المناسبة إلى حراك وطني يومي، وثقافة حياة، وإيمان بأن هذا الوطن يستحق دائمًا أن نعطيه أكثر مما أخذنا منه .
اليوم الوطني ليست ذكرى نعيش أجواءها ، بل هو عهد نجدد فيه حبنا ونعزز ولاءنا للوطن. كلاً يستطيع خدمة الوطن بطريقته.. وقد يكون ذلك بكلمة طيبة، أو بعمل صادق، أو بفكرة تبني المستقبل، إن الوطن أمانة، ولو كل فرد قام بدوره سيظل الوطن دايماً في القمة، فللأوطان في دم كل حر … يد سلفت ودين مستحق.
• أستاذ العلاقات العامة والإعلام الرقمي
كلية الاتصال والإعلام جامعة الملك عبد العزيز






