تعد الهوية جزء من المكون الثقافي للشعوب، بل إنها ترسخ الانتماء للوطن بمكوناته المادية والمعنوية؛ سواءً ما يتعلق منها بالجذور التاريخية، أو الامتداد الجغرافي، أو الموروث، أ و العادات والتقاليد، ذلك بأنها تشكل شخصية الفرد- أعني هنا السعودي على وجه الخصوص- الذي تربى في بيئة تتوارث الفضائل وتغرس القيم؛ وفقًا لضابط ديني أخلاقي.
لقد أصبحت العادات النبيلة في مجتمعنا وسمًا نتمايز بها سلوكًا ومسلكًا، إضافة لانعكاس تلك الثوابت على أسلوب الحياة، والتعاطي مع المواقف والأحداث المختلفة بحكمة وتروٍ، دونما تخبط أو إلحاق الضرر بالآخرين.
إن ما يميزنا- نحن السعوديين- اعتزازنا بتاريخنا، بجذورنا الأصيلة، انتماءنا لوطننا العظيم؛ موطن المقدسات؛ مكة والمدينة الذي شع منه النور للعالمين، الأمر الذي جعلنا أكثر تمسكًا بديننا وخلقنا، كوننا في موضع المسؤولية، لنتمثل إزاء ذلك الشعور بالقدوة الحسنة، لنكون مثلًا أعلى؛ تفاعلًا وتفانيًا، لتظل المباديء معايير للتناغم والتعايش؛ حبًا وسلامًا، جودًا وإيثارًا؛ كطبع لا ينفك عن حياتنا اليومية، بذلٍ ونفعٍ، رفق ووفاق. لقوله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس”
نعم، عندما تهيمن الأخلاق والآداب والفضائل والشيم، ينبذ الإنسان استقراطية الذات، يعلو آنذاك صوت البذل والتسامح والإيثار على على كلٍ نزعة شرٍ أو ثورة غضب أو قبضة بخل؛ ليصبح الحلم سيد الموقف، امتثالا واقتداءً بنهج المصطفى ﷺ إذ يقول: ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي بملك نفسه عند الغضب)!
لا شيء يحكم تصرفات الفرد ويرفع شأنه ويعلي قدره كحسن الخلق بمضامينه المتعددة، ولا شيء يحقق التوازن والتعاون للمجتمع كالبذل والعطاء وعمل الخير، لقوله ﷺ : ( خير الناس أنفعهم للناس” والأجمل والأكمل عندما يكون النفع ممارسة تلقائية بدافع ذاتي احتسابًا خالصًا، لا طلبًا للتباهي والشهرة.
إن التحلي بالأخلاق كفيل بخلق مجتمع مترابط كجسد واحد، وهو ما يحقق له التراحم والتواد والتلاحم، كمجتمع يسوده الحب والوئام والألفة والمحبة، متسق متكامل يشد بعضه بعضًا، يعمل كل منهم في إطار المصلحة العامة لبناء الوطن ونماء المجتمع، والنهوض بالأجيال، كما ينعكس ذلك على العلاقة بين القيادة والشعب؛ كأبٍ وأبنائه، وتلك جميعها تشكل قيم عليا لا تكون إلا في مجتمع فاضل ترتفع لديه التشاركية والحس الجمعي، والتي تتجسد في كثيرٍ من المظاهر الشعبية التي لم تكن مجرد ترفٍ معيشي بل تعمق الوفاء وتعكس الترابط والتلاحم والوئام التام بين أفراد المجتمع، والتي نراها ماثلة في مناسبات الفرح والترح، اللقاءات، الكرنفالات الشعبية، في الأعياد والاحتفالات الخاصة والعامة، في المناسبات الوطنية التي تظهر الابتهاج والاعتزاز، والتي تنم جميعها عن حالة النقاء والالتقاء، الحب الذي يغمر الجميع بلا استثناء، حالة الرضا والغبطة والأمان في وطن الخير والنماء!
ولقد أتت رؤية المملكة 2030 لتؤكد على المحافظة على القيم المجتمعية، لترسخ تعاليم الدين الإسلامي، لتبني الإنسان الذي هو الأساس لنماء الأوطان، لتجعل منه قوة عظمى في مواجهة الصعاب، للصمود والثبات، للرسوخ كالجبال، بعزم أكيد، وهمة عالية لا تضعف ولا تنكسر، لينشأ الجيل بروابط وثيقة، وقيم أصيلة تمكن له حصانة من أن تخترق أو تتضاءل، ليكونوا معتمد عزٍ وسؤدد؛ طموحًا يعانق السماء، يحقق المستحيل، يتناغم مع عصره دون أن يفقد أصله، يتفوق بجدارة في عالم التقنية والفضاء الإلكتروني، يعمل ببراعة وكفاءة، ليصنع نهضة تنموية عظيمة؛ بمنجزات ضخمة، بتطلعاتها الواعدة، بأيدٍ سعودي، وعقولٍ شابة، ورؤى واعدة، برؤية عبرت بنا الزمن لمستقبل مزدهر، بحماس وتنافس وإتقاد ودافعية قوية بمدد من السماء، بدوافع ملؤها الوطن، وشعاعها الطاقة المتجددة، ليضيئوا في سماء الوطن شعلة وفاء لا تنطفيء،ليكملوا المسير، ليكونوا أبطال الرؤية، نجومًا لامعةً يهتدى بها، يتخذون من القيم، الإرث والموروث، والأخلاق، العادات والقاليد السعودية الفاضلة منهج حياة،. يجعلون من البطولات التي صنعت هذا الوطن الأشم قدوة ومنارة لمزيد من العطاء والإنجاز.
نعم إنها رؤية شاملة أنبثقت عن فكر وأصالة، حرصت أن تحتفظ الأجيال في ذاكرتها تاريخ الوطن وأمجاد من سبق، بل أحيت المهن، ورفعت شأن الحرف، اهتمت بالمقتنيات، أولت المشغولات أهمية كبيرة، وكذلك الموروثات والملبوسات، راعت التنوع المناطقي، رسخت كل ما يعمق ربط الأجيال بماضي آبائهم وأجدادهم، أنشأت في سبيل ذلك معاهد حرفية وأخرى فنية، شجعت ودعمت الممارسات التي تثري العمل المهني، لإيمانها بأهميتها ودورها المحوري التكاملي في صنع وطنٍ طموح، مجتمع حيوي ينبض بحب الوطن والولاء له، اقتصاد مزدهر، مستقبل واعد، فاعلية وحماس متقد لا يتقهقر.
نعم، نفخر، وحق لنا أن نفخر، فعاداتنا مطبوعة؛ أصيلة مكينة ثابتة لا تتغير ولا تتحول، بل لا تننفك عن سلوكنا، لأنها من الدين بمكان، لقوله ﷺ 🙁 إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فكأنما الدين قائم على الأخلاق، وهو ما أكده أحمد شوقي بقوله:
إنما الأمم الأخــــــلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولقد حرص ولاة أمرنا- حفظهم الله- على إرساء قواعد الآداب العامة، والتأكيد على المحافظة على السلوك المنضبط، والتخلق بالخلق الحسن وبما يوافق تعاليم الدين وعادات وقيم المجتمع، لتظل علامة فارقة لمجتمع محافظ تربى على المكارم والشيم؛ كرمًا وجودًا وإحسانًا؛ عطاءً وبذلًا، عفة وتعففًا، ولاءً وانتماءً!!
ونحن نعيش( ذكرى اليوم الوطني 95) لنحمد الله أن أولانا قيادة عظيمة بعظمة شعب المملكة العربية السعودية، بعظمة أرضها وقداستها، بعظمة الطموح والإنجازات!
وإننا إزاء ذلك الفخر والمجد والعزة والتمكين لنرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لمقام والدنا المفدى خادم الحرمين الشريفين؛ إمام المسلمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء قائد الشرق الأوسط وصانع مجده، الأمير محمد بن سلمان، وللأسرة الكريمة المالكة، وللشعب السعودي الأبي، بهذه المناسبة التي نستذكر من خلالها تلك البطولات الخالدة والتضحيات العظيمة التي سطرها الأجداد، وسار على نهجها الأبناء.
كما نهنيء ولي العهد وأنفسنا بالإنجازات التي تجاوزت الحدود ليتشاركها الأشقاء في فلسطين وباكستان وسوريا، والتي تعد نقلة نوعية تغير موازين القوى العالمية.
هنيئًا لنا هذه القيادة وهذه الأمجاد وهذا الوطن الأغر، وكل عام والوطن بخير وعز وشموخ وأمنٍ وأمان!






مقالك يا أستاذ فلاح ليس مجرد كلمات، بل نبضٌ يعكس روح الوطن وهويته؛ كيف تتناغم القيم مع التاريخ، وكيف يشرق فخر الأجيال من قلب مجد أصيل، لتظل رؤية 2030 امتدادًا طبيعيًا لمجد أصيل، وترسم لنا السعودية بين أصالة الماضي وروح المستقبل. تقدير عميق لإبداعك ورؤيتك الثاقبة.