المقالات

اليوم الوطني.. من (التمامي) إلى (التقنية)!

في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، تحتفل (المملكة العربية السعودية) بيومها الوطني، تخليدًا لذكرى توحيد البلاد عام 1932. في هذا اليوم نستذكر بكل فخر مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – الذي أرسى دعائمها، وتبعه أبناؤه الملوك في مسيرة البناء والنهضة. وفي ظل عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، شهدت السعودية انطلاقة إصلاحية طموحة تهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد، وتحديث المجتمع، وتعزيز حضورها العالمي. وقد أثمرت هذه الجهود عن تحولات جوهرية، لم تقتصر على الداخل فحسب، بل انعكست إيجابًا على الصورة الدولية للمملكة، التي باتت مركزًا نابضًا للابتكار والدبلوماسية والانفتاح الثقافي والرياضي والترفيهي، مما عزز مكانتها كدولة ذات جذور تاريخية راسخة، وطموح متجدد نحو مستقبل مشرق. وبينما كنت أجهز(مسودة مقال) عن اليوم الوطني. تحيرت! من أين أبدأ؟ فالمحاور كثيرة، وليس من العدل أن أكتب في مقال (محدود المساحة) عن التنمية الشاملة في السعودية، لذا قررت التركيز على (الإنجازات السعودية في مجال تقنية المعلومات خلال عام 2025) لكنني وجدت نفسي محتارا مرة أخرى! هل أبدأ من (هيومين) والذكاء الاصطناعي أم التطور في (التقنية المالية) أم عن مستقبل واقتصاد (الألعاب الإلكترونية) أم عن تحديات (الأمن السيبراني) …إلخ ؟ وفجأة عادت الذكرى بي لأكثر من (40) عاما تقريبا و تذكرت أهزوجة كان يرددها الفنان سعد التمامي – رحمه الله – قال فيها (نهضة حلوة في بلدنا، والحكومة شجعتنا بالمدارس زودتنا بالعلوم النافعات) ويالها من (علوم نافعات) زودتنا بها الحكومات السعودية!

شهد عام 2025 تطورًا ملحوظًا وانجازات مميزة في قطاع تقنية المعلومات مثل تعزيز الاقتصاد الرقمي، الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية الرقمية، والابتكار، مما ساهم في رفع مكانة المملكة إلى مراكز متقدمة عالميًا. حيث تم تصنيف السعودية في المركز الأول عالميا حسب مؤشر تطوير الاتصالات وتقنية المعلومات (ICT Dev Index) لعام 2025 من الاتحاد الدولي للاتصالات، ويعكس هذا الإنجاز البنية التحتية الرقمية المتقدمة والتي أثمرت عن وصول اشتراكات الخدمات المتنقلة إلى 212% من السكان، واستهلاك البيانات الشهري الفردي ليفوق المتوسط العالمي بثلاث مرات. وفيما يتعلق بموشر الذكاء الاصطناعي والحكومة الرقمية، حصلت السعودية أيضا على التصنيف الأول عالميًا في المهارات الرقمية والحكومة الرقمية المفتوحة، والسابع في مؤشر المشاركة الإلكترونية (E-Participation Index)مما أدى إلى تحسين كفاءة الخدمات الحكومية وتعزيز الشفافية. المؤشران السابقان (وعوامل أخرى) ساهما في نمو الاقتصاد الرقمي والاستثمارات في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، وتحولت المملكة إلى مركز إقليمي للبيانات، مع توقعات للوصول إلى 34.5 مليون مستخدم للتجارة الإلكترونية والتي يتوقع ارتفاع إيراداتها إلى 23.46 مليار دولار بحلول 2027، مدعومًا بسوق إنترنت الأشياء (IoT) الذي بلغ 2.9 مليار دولار. أما بالنسبة إلى التقنيات الناشئة (الذكاء الإصطناعي – البلوك تشين – انترنت الأشياء – الروبوتات ) فقد سجلت حضورا كبيرا خلال 2025م، حيث تم إطلاق خطة استثمارية تصل إلى 100 مليار دولار في (الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، والروبوتات…) بهدف جعل المملكة مركزًا عالميًا للاقتصاد الكمي، مع تطبيقات في اللوجستيات و التمويل، كما شهد هذا العام العديد من الإصلاحات الرقمية والبرامج الوطنية و إنجاز العديد من مبادرات رؤية 2030 المتعلقة بالتحول الرقمي، شمل ذلك تطوير المهارات الرقمية، تبني الحوسبة السحابية، والتوقيع الإلكتروني، دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة مثل خدمات الرعاية الصحية، التعليم،…إلخ، مما قلل التعقيدات البيروقراطية وزاد نسبة الوصول إلى الخدمات الحكومية. ورغم الهجمات السيبرانية التي نسمع بها (شرقا وغربا)، لا زالت السعودية تحتفظ بمراكز متقدمة عالميًا في العديد من المؤشرات ذات العلاقة بالأمن السيبراني، هذا التطور في الأمن السيبراني انعكس إيجابيا على مجالات أخرى مثل التجارة الإلكترونية و مكافحة الإرهاب والمخدرات. ولا يمكن أن يتجاوز المقال زيارة الرئيس الأمريكي والاتفاقيات المتعددة مع كبريات الشركات الأمريكية في مجال التقنية وشمل ذلك إلى جانب إطلاق شركة “هيومين” السعودية الجديدة للذكاء الاصطناعي، شراء رقائق متقدمة لبناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ومراكز بيانات في السعودية كجزء من تحول السعودية نحو اقتصاد ما بعد النفط، الموافقة على استخدام Starlink في الطيران والشحن البحري، مع اتفاقيات بين وكالة الفضاء السعودية وNASA لإطلاق CubeSat لقياس الطقس الفضائي.
تميز المشاريع السعودية في قطاع تقنية المعلومات جاء بسبب عدة عوامل أبرزها الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به المملكة. وقد تبنت حكومة خادم الحرمين الشريفين نهجًا استباقيًا في دعم مشاريع الابتكار وتوظيف التقنيات الحديثة، ويشمل هذا الدعم توفير التمويل اللازم والاستثمارات الكافية لضمان استمرارية ونمو هذه المشاريع. إضافة إلى ذلك فإن التنمية الشاملة التي تشهدها السعودية ساهمت في توفير البنية التحتية اللازمة لمشاريع تقنية المعلومات، مثل شبكات الاتصالات ومراكز البيانات وشبكات الكهرباء…إلخ، بالإضافة إلى مشاريع تأهيل الكوادر البشرية من خلال برامج الابتعاث والتدريب والتطوير المستمر.

خاتمة:
إن اليوم الوطني ليس مجرد مناسبة للاحتفال فقط، بل هو محطة للتأمل في نعم الله المتجددة على هذا الوطن، وفرصة لاستعراض التحول الكبير الذي تشهده المملكة. يُجسّد اليوم الوطني امتدادًا لإرث السعودية العريق ورؤيتها الطموحة نحو المستقبل. وتُعد هذه الإنجازات انعكاسًا لالتزام القيادة الرشيدة ببناء مجتمع رقمي مزدهر، مدعوما بشراكات دولية استراتيجية، لتحقيق رؤية تنموية شاملة مستدامة.

عبدالإله الشريف

مستشار تنفيذي- أعمال تقنية المعلومات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى