تعدّ السينما فنًا جامعًا بين الترفيه وتقديم قراءة معمّقة للواقع، كما أنها تمتلك القدرة على استشراف المستقبل. و تُعد السينما من أدوات القوة الناعمة، إذ يستخدمها صُنّاع الأفلام لتمرير أجندات وأفكار تؤثر في الرأي العام، ليس فقط محليًا بل على الصعيد العالمي أيضًا.
قبل أيام، شاهدت فيلم *”Eraser – الماحي”*، أحد أفلام الحركة والإثارة الصادرة عام 1996 من بطولة أرنولد شوارزنيجر. تدور أحداث الفيلم حول ضابط أمريكي يُكلّف بحماية شاهدة مهمّة كشفت عن صفقة أسلحة تتورط فيها شخصيات نافذة داخل الدولة. ولضمان سلامتها، يُدرجها الضابط ضمن برنامج حماية الشهود الأمريكي (WITSEC)، ويُزوّر وفاتها ويمحو كل أثر لها كمكافأة حكومية على المعلومات التي قدمتها.
برنامج (WITSEC) مخصص لحماية الشهود داخل الولايات المتحدة، ويخضع لشروط صارمة لضمان أهليّة المستفيد. في المقابل، تمتلك (وكالة الاستخبارات الأمريكية) برنامجًا أكثر سرية لحماية العملاء، يشمل فئات مثل المنشقين، الصحفيين، العلماء، وغيرهم ممن يقدّمون معلومات حساسة أو يشاركون في عمليات استخباراتية.
هذا البرنامج يقدم حزمة مغرية من الحماية تشمل تغيير الهوية، إعادة التوطين داخل أو خارج البلاد، تأمين مالي، ووسائل حماية متقدمة. تلك المغريات قد تدفع “المصدر” لكشف كل ما لديه، مقابل حياة جديدة تحت حماية الدولة الأمريكية!.. لكن بثمن باهظ: التخلي عن ماضيه، أسرته، وهويته، ليبدأ من جديد كما لو أنه لم يكن له وجود من قبل!
بعد نهاية فيلم الماحي، وحيث أننا في شهر الحج، {تذكرت} ما حدث في هذا الشهر قبل 20 عاما تقريبا، حين شاهد العالم على شاشات التلفزيون (إعدام) الرئيس العراقي (صدام حسين) في عيد الأضحى المبارك من ذلك العام، وشاهد العالم قبل ذلك عملية (اعتقاله) وتابع (محاكمته) على مدى 3 سنوات! تلك المشاهد شكلت لحظات مفصلية في ذاكرة العالم!
نهاية (صدام حسين) قادتني إلى التفكير في نهايات بعض زعماء الجماعات المتطرفة الذين تصدروا المشهد في العقود الأخيرة، مستخدمين الإسلام ستارًا لأفعالهم، ومحرفين النصوص الدينية لتبرير العنف والقتل، مما أساء إلى صورة الإسلام عالميًا. لقد ساهمت تلك الجماعات في تعزيز مشاعر “الإسلاموفوبيا”، حيث بات المسلمون عرضة للتمييز والاعتداءات نتيجة الربط الخاطئ بين دينهم والإرهاب. الخسائر التي خلفتها الجماعات المتطرفة لم تكن فقط بشرية ومادية، بل ضربت عمق الاستقرار في العديد من الدول الإسلامية، وعرقلت مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأمام هذا التشويه المتعمد للهوية الإسلامية، أصبح المسلمون في كثير من المحافل مضطرين للدفاع عن حقيقة دينهم، مؤكدين أن الإسلام دين سلام ورحمة، لا تطرف وعنف.
لكن، وعلى الرغم من فداحة الجرائم التي ارتكبتها تلك التنظيمات الإرهابية، وما حُمّلت به قياداتها من اتهامات كانوا يطلقون عليها “جهادًا” أو “مقاومة”، إلا أننا لم نشهد نهاية واضحة لكثير من تلك القيادات مثلما شهدنا نهايات صاخبة لبعض زعماء الدول العربية الذين سقطوا مع اشتعال ما سُمي بـ”الحريق العربي”! فعلى الرغم من الحصار الأمني العالمي الذي فُرض على تلك القيادات الإرهابية، لم نرَ محاكمات تُبَث للعالم، ولا اعتقالات توثق بالعدسات! نهاية كثير منهم كانت تُعلن في (خبر عاجل) عن تصفيتهم خلال عملية عسكرية سرّية، ثم يُقال إن جثثهم أُلقيت في البحر! وبعضهم اختفى مع تدمير الموقع الذي كان يتحصّن فيه، حتى لم يُعرف له أثر، في حين غاب آخرون دون حتى قبرٍ يُزار، تحت ذريعة الخشية من تحوّله إلى مزار يؤمه الناس في الليل أو النهار.
خاتمة:
ترى كم عدد من استفادوا من برنامج حماية عملاء وكالة الاستخبارات المركزية في عالمنا العربي؟