الثقافيةالمقالات

الرياض تقرأ.. جسرٌ يمتد نحو استدامة الثقافة

✍️جمعان البشيري 

في عاصمةٍ لا تعرف السكون، حيث تنبض الفكرة كما تنبض الحياة، يطلّ معرض الرياض الدولي للكتاب بشعاره هذا العام: «الرياض تقرأ»، لا بوصفه مهرجاناً للكتب وحسب، بل كجسرٍ متينٍ يربط بين ماضٍ صاغ الوعي وحاضرٍ يصنع المستقبل.

هنا تتحدث الصفحات بلغات العالم، وتصافح العقولُ العقولَ، في مشهدٍ يعيد تعريف الثقافة كقيمةٍ مستدامة، لا كترفٍ موسميٍ يبهت بعد الضوء.!

جاء معرض الرياض ليثبت أن الكتاب.. كائن الاستدامة الأول منذ فجر التاريخ، ظلّ الكتاب شاهداً على بقاء الإنسان، ومعبراً عن وعيه في مواجهة العدم. وفي زمنٍ تحكمه الشاشات، ينهض معرض الرياض الدولي للكتاب كمنارةٍ تذكّرنا بأنّ الورق لا يشيخ، وأنّ الكلمة هي الطاقة النظيفة التي لا تنفد.

الكتاب، في جوهره، مشروع استدامةٍ إنساني، إذ يورّث المعنى ويزرع الفكرة، ويمتد من جيلٍ إلى آخر، لا يفقد بريقه مهما تغيّرت الوسائط أو تبدّلت الأدوات.

ليست الرياض مدينةً تقرأ فحسب،فالرياض .. ذاكرة الحرف ومختبر المستقبل ؛ بل مدينة تُعيد تشكيل مفهوم القراءة ذاتها. في أروقة المعرض، تمتزج أصوات الكتّاب بروائح الورق، وتلتقي الثقافات في حوارٍ يذيب المسافات. فهنا تُبنى الجسور بين الحضارات، وتُفتح النوافذ نحو المستقبل الذي يؤمن بأن الثقافة ليست ترفاً بل مكوّناً رئيسياً في رؤية وطنٍ يصنع استدامته بالمعرفة.

تتحول الرياض، خلال أيام المعرض، إلى كائنٍ نابض بالوعي، يستضيف العالم لا ليعرض ما عنده، بل ليقول للعالم: إننا نصنع فكرنا بأيدينا، ونكتب حاضرنا بأقلامنا.

الحديث عن الاستدامة في الثقافة تزامناً مع معرض الكتاب الدولي في الرياض لم يعد ترفاً خطابياً، بل أصبح التزاماً حضارياً. فكما تبني الأمم محطات للطاقة المتجددة، تبني السعودية اليوم محطات للمعرفة المتجددة، ومعرض الرياض للكتاب هو إحدى هذه المحطات؛ فهو لا يكتفي بتداول الكتب، بل يُعيد إنتاج الفكر عبر ندواته وورشاته ومجالسه الأدبية، ليجعل من الثقافة مورداً دائماً يغذي العقول والضمائر.

القراءة.. فعلُ انتماء لا ترفُ وقت حين تقرأ، فأنت تُعلن انتماءك للوعي، وتوقّع عقداً مع الاستدامة في أرقى صورها. لذلك لا يُعد شعار «الرياض تقرأ» مجرد جملة ترويجية، بل هو إعلان هوية وطنٍ يقرأ ليفكر، ويفكر ليبني، ويبني ليبقى.

في ظل رؤية 2030 التي جعلت الإنسان محور التنمية، تأتي القراءة لتؤكد أن الثقافة هي الوقود الخفي لكل تنميةٍ مستدامة، وأن الكتاب ليس سلعةً ثقافية بل أداةُ نهضةٍ وروحُ أمة.

همزة وصل :

حين “تقرأ الرياض” .. يتكلم العالم ؛ في ختام المشهد، لا تبدو «الرياض تقرأ» شعاراً لمعرضٍ فقط، بل حالة وعيٍ جماعي تتسع لتشمل كل بيتٍ ومدرسةٍ ومقهى. فحين تقرأ الرياض، يتحدث العالم بلغةٍ سعوديةٍ جديدة، تُعيد إلى الحرف العربي مكانته، وتؤكد أن الثقافة هي أعظم استثمارٍ في الإنسان، وأجمل وعدٍ للمستقبل

جمعان البشيري

محرر صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى