ما تحقق بالأمس في شرم الشيخ من اتفاق أولي لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة لم يكن من باب الصدفة لولا جهود المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان – يحفظهما الله – التي تمخض عنها الإجماع الدولي في الأمم المتحدة بتوحيد كلمتها وإجماعها لصالح الدولة الفلسطينية وباعتراف صريح من دول أوروبية وغربية بهذه الدولة التي كانت تبحث عن بصيص أمل بحل الدولتين الذي طالبت به وأكدت عليه المملكة من خلال وزير خارجيتها سمو الأمير فيصل بن فرحان الذي واصل لمدة تقارب السنة وبتوجيه من القيادة لأن يتحقق ما دعت إليه من سنوات بحل الدولتين من خلال حشد الرأي العام الدولي الذي تحقق من ورائه قيام السعودية وفرنسا بتبني ذلك المؤتمر الذي خرج بانتصار ساحق جعل أمريكا وإسرائيل تعيدان حساباتهما والتنازل عن الشعارات والقرارات أحادية الجانب بأن غزة سيتم احتلالها بالكامل وسيتم تهجير سكانها وتفريغها منهم لصالح مشاريع وهمية فكان التحرك السعودي والفرنسي الفصل الأول وربما الأخير من هذا التوجه الذي سيجعل فلسطين في منأى عن الحل الذي يعيد لهم هيبة الدولة وحدودها لما قبل 67 م حتى وصلنا إلى مؤتمر شرم الشيخ الذي بدأن أولى حلوله بعودة قرابة ألفي أسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية إلى أهليهم مقابل الأسرى الإسرائيليين لدى حماس التي كانت الشرارة الأولى لهذه الحرب المسعورة التب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الشعب الفلسطيني الغزاوي وثلاثة أضعاف المتوفين من المصابين وهدم البنى التحتية بالكامل في غزة الذي يستوجب إعادته سنوات ما لم تعيد إسرائيل الكرة مرة وتهدم ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ .
المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز– يرحمه الله – وحتى عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز كانت ولم تزل تدعم قضية فلسطين واعتبرتها قضيتها الأولى تمثل ذلك في الدعم السياسي والمادي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي ولعلنا نتذكر أن جلالة الملك عبد العزيز في عام 1945م وقبلها عام 1941م قال : إن قضية فلسطين هي أهم ما يشغل العرب والمسلمين وكان يفضل العمل بصمت بعيدا عن الشعارات وكان يغتنم فرص الحج الذي يعتبر أكبر مؤتمر إسلامي سنوي لبحث هذه القضية والحث على أن تكون في طليعة اهتمام العرب والمسلمين حتى وأن الدعم للفلسطينيين بدأ من عام 1936م حيث ذكر التاريخ بأن جلالته وجه وزارة الخارجية ووزارة المالية بإرسال مساعدات مادية ومؤن وأرزاق لأهل فلسطين واستغل نفوذه العالمي لنصرتهم .
وما أشبه الليلة بالبارحة إذ شكل الملك سعود – يرحمه الله – لجانا شعبية عهد إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أميرا لمنطقة الرياض لمساعدة مجاهدي وأسر شهداء فلسطين بعد نكسة 67م انبثق عنها مكاتب في أنحاء المملكة واستخدم الملك سعود والملك فيصل نفوذهما بقطع النفط عن الغرب في حرب العدوان الثلاثي على مصر واستمر دعم ملوك السعودية لهذه القضية واعتبروها قضيتهم الأولى إيمانا منهم بأنها قضية المسلمين والعرب والسعودية على وجه التحديد وقد تجلت مواقف السعودية في عهد الملك خالد وفهد وعبد الله أبناء المؤسس بما يمليه عليهم الضمير الإنساني والأخلاقي والسياسي كون القدس عربية وفيها ثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم .
ولعلكم تتذكرون بأن المملكة لم تألو جهدا في سبيل إيقاف الحرب في غزة أنه في نهاية سبتمبر عام 2204م أعلنت السعودية قيام التحالف ليس العربي والإسلامي فحسب بل العالمي لدعم حل الدولتين الذي دعت إليه منذ سنوات ولم تتوقف بل بعد رحلات مكوكية لوزير خارجيتها واتصالات من سمو ولي العهد بأرباب القرار في الدول ذات العلاقة والشأن لتعلن أنها وفرنسا ستترأسان المؤتمر بعد ستة أشهر ولظروف الحرب بين إيران وإسرائيل تم تأجيله إلى سبتمبر 2025م وتم عقد المؤتمر بمقر الأمم المتحد بنيويورك برئاسة السعودية وفرنسا وتم الاعتراف من قبل دول ذات اعتبارية في مجلس الأمن ومنها فرنسا وبريطانيا إضافة لدول أخرى لا تقل أهمية عن الدولتين معلنة اعترافها بالدولة الفلسطينية متعهدة بالقيام بما يوجب قيامه من علاقات دبلوماسية مع الدولة الفلسطينية فاعترف بها أكثر من مائة وسبعين دولة من بين مائة وثلاث وتسعين دولة لأول مرة في تاريخ القضية .
ثم عملت المملكة بصمت مع فرنسا وغيرها لتعلن الخطوة الثانية بتحالف عالمي جديد لدعم السلطة الفلسطينية وقدمت لهم دعما قارب مائة مليون دولار كدعم يعقبه دعم دولي للتحالف الثاني بعد تحالف دعم الدولتين ثم سعت لتحقيق الخطوة الثالثة التي تتمثل في الاعتراف بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة وهي الأصعب لدعم بعض دول الفيتو لإسرائيل الذي قد يؤجل أو يبطل هذه الخطوة ومع هذا ظلت السعودية تسعى خلف تحقيق المبادرة العربية التي انطلقت عام 2002م ثم تحولت لمبادرة سعودية مع بعض التعديلات وافق عليها العرب في عهد الملك عبد الله – يرحمه الله – التي من شروطها رجوع إسرائيل لحدود ما قبل 67م وبشروطها وبنودها السياسية المتفق عليها عربيا ثم عالميا .
إن ما حصل في شرم الشيخ من اتفاق حضره سمو وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان لم يحصل من باب الحظ ولا الصدفة ولولا السعودية ماكان لترمب ليشكر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ويشير بالاعتزاز لحضور سمو وزير الخارجية بل إنه نتاج لذلك الركض السياسي الذي حقق هذه النتيجة بعد أن أرعب العدو وجعله يتنازل هو وحلفاؤه عن الأطماع التي كان هدفها احتلال غزة بالكامل ومن ثم الضفة وتهجير الفلسطينيين والتوسع في الاستيطان واصبح العدو يبحث عن قشة يتمسك بها لتبادل الأسرى كمرحلة أولى يعقبها مرحة ثانية وثالثة لإعمار غزة ومن ثم عودة أهلها إليها مع بعض الشروط التي من أهمها نزع سلاح حماس بالذات وإخراجهم دون رجعة باعتبارهم القشة التي ذهب ضحيتها قرابة سبعين ألف فلسطيني وإصابة ضعفهم مرتين وتدمير غزة وتهجير نسبة كبيرة من سكانها وهنا لابد من أن نستذكر الدروس التاريخية لقادة السعودية واهتمامهم بهذه القضية حتى تحقق في أقل من عام ما لم يتحقق في عشرات الأعوام ولله الأمر من قبل ومن بعد .
انعطاف قلم :
السعودية لا تحب الجهر بالقول والفعل تعمل بصمت لصالح قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين إيمانا منها بدورها القيادي في العالم الإسلامي والمحوري العربي وموقعها السياسي والاقتصادي العالمي وبالتالي فإن ما تحقق في الشرم كان نتيجة لجهد عالمي قادته السعودية لصالح الفلسطينيين حكومة وشعبا ولعلها تثمر في ديمومة الحل النهائي ونشر مظلة الأمن والسلام الدوليين في الشرق الأوسط وما ذلك على الله بعزيز .
0





