المقالات

الطائف ،، حيث يلتقي النفط بالتاريخ

لم تكن الطائف مجرد مصيفٍ يلوذ إليه الملوك والقادة،
بل فضاءً ينعقد فيه القرار وتتبلور فيه الرؤى
فالطائف مدينةٌ تصنع الحدث في شتى المجالات:
سياسة وسياحة
واقتصاد وريادة
وفنون وثقافة،
ومن بين تلك العناوين الكبرى برز عنوانٌ نفطيّ خاص
ربط اسم المدينة
بتاريخ منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).
فمنذ ستينيات القرن الماضي تحوّلت الطائف، بخصوصية موقعها وبهاء جبال الهدا ورمزية استقبالها للقمم العربية، إلى منصةٍ عملية للحوار الاقتصادي،
حيث هيأت بيئةً هادئة تتيح بناء الثقة وصوغ تفاهماتٍ دقيقة بين الدول المنتجة بعيدًا عن صخب المنابر الرسمية.

وفي هذا السياق كان لمنزل وزير البترول والثروة المعدنية آنذاك أحمد زكي يماني
في الهدا دورٌ مؤثر
إذ شهد لقاءات غير معلنة بين وزراء ومسؤولين أسهمت في تضييق هوة المواقف وتحويل ما هو تشاوري
إلى خطوط عمل قابلة للتنفيذ. وقد سجّل عام 1967
محطةً مبكرة حين اجتمع وزراء النفط في جبال الهدا لتنسيق المواقف إزاء تطورات السوق، ثم جاءت محطة 1978
لتؤكد الانتقال من التنسيق الظرفي إلى التخطيط المؤسسي عبر اجتماعٍ استشاري مهم أسفر عن تشكيل لجانٍ استراتيجية
طويلة الأمد تُعنى بمتابعة الأسواق وتثبيت الأسعار وتحديد حصص الإنتاج
بما يحفظ التوازن
بين العرض والطلب
ويحدّ من التقلّبات
غير المبررة.
وبعد ذلك، في 7 مايو 1980، احتضنت الطائف لقاءً وزاريًا استراتيجيًا
ناقش سياسات الإنتاج والتسعير في ظل مناخ جيوسياسي معقد،
بما يعكس قدرة المدينة
على استضافة حوارات تقنية دقيقة في أوقاتٍ حساسة.

هذه المحطات لم تكن مناسباتٍ بروتوكولية عابرة،
بل حلقاتٍ متصلة في سلسلة دورٍ سعوديّ راسخ داخل أوبك، أعطى للحوار قيمته
وللتنسيق أثره
وللاستقرار معناهما العملي.
وهكذا غدت الطائف جزءًا
لا يتجزأ من ذاكرة المنظمة، ليس بوصفها
مكانًا للانعقاد فحسب،
بل باعتبارها بيئةً مكّنت
من تحويل الإرادة المشتركة إلى سياسات قابلة للقياس والتطبيق،
انعكست على الأسواق
وأسعار الطاقة
والسياسات الاقتصادية عالميًا. وبقدر ما حفظت
الطائف إرثها الحضاري،
فإنها حفظت أيضًا سجلًا دقيقًا للحظةٍ عربيةٍ نفطيةٍ مؤسسة، تؤكد أن صناعة الحدث
تحتاج إلى مكانٍ يصون
الدلالة بقدر ما يحتضن القرار

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى