
للقيادة التربوية من وجهة نظري أربعة أركان:
(الأمانة – العلم – القوة – الحكمة).
إذا توفرت كلها كمل بناؤها، وتوحدت أجزاؤها، وحسن مقصدها، وطاب ثمرها، وإذا تخلّف أحدها أخذ بناؤها في الضعف حتى ينهار، وجمالها حتى يتشوّه، وحركتها حتى تنشل وتتوقف.
ولبيان ذلك وتفصيله أقول، معتمدًا على الله العلي القدير، ثم على عملٍ وممارسةٍ امتدّت زهاء أربعين عامًا، من معلّمٍ للصف الأول الابتدائي إلى مديرٍ عامٍ للتعليم:
• فأول هذه الأركان الأمانة؛ لأنها تغرس الانتماء وتنمّيه، وتحقق الأمن الوظيفي، وتقيم العدل بين العاملين. وبهذا تحدّ من الذاتية، وتضعف الأنانية، وتقرّب بين النفوس، وتجعل معيار التفاضل هو الإنجاز بإتقان؛ فلا محاباة ولا مجاملة لا تخدم مبدأ الأمانة، أو تخدش شيئًا من مبدئها النزيه. وتجعل فرق العمل وأعضاءها أمام معيارٍ يحقق العدل والأمن على المنجزات بوضوح. ومن هنا ينبثق الإبداع، وينشأ التنافس الشريف، وتتكاتف الأيدي – وقبلها الأنفس – على العمل بروح الفريق الواحد، في بيئة نقية جذابة يسودها العدل والإنصاف، والأمن والتآلف، والنزاهة والوضوح.
• كما أنها تنقل العمل من كونه عادة إلى كونه عبادة، يُؤجر عليها الموظف ويُحاسَب من ربٍ خلقه وقدّر له العمل في هذا المجال. ولكنها أيُّ عبادة؟! إنها عبادة يتوقف عليها حاضر الأمة ومستقبلها.
• فالقادة التربويون هم قادة العقول، وقدوة الجيل، وصنّاع المستقبل. فالمعلم قائد في فصله ومع طلابه، والمدير قائد في مدرسته، والمشرف قائد في مهمته ومع فريق عمله، وهكذا… حتى مدير التعليم يُعدّ قائدًا تربويًا، ومسؤوليته أعظم وأشمل.
• كل هؤلاء يعملون مع طلابٍ هم عدّة المستقبل وصنّاعه، فهم المعلمون، والقضاة، والعلماء، والدعاة، ورجال الأمن… بل هم كل شيءٍ للوطن.
• فأمر الأمانة عظيم، وركنٌ ركين للقيادة التربوية، لأنها بناء، وإذا لم تُبنَ على أسسٍ قوية فلن تستطيع الصمود أمام رياح الكسل، والتخاذل، والتسويف، والفشل.
• وعندما تختلّ الأمانة في أي منظمة أو إدارة، يختلّ البناء، فيضعف الانتماء، ويهرم الأمن، ويكثر القيل والقال، ويزداد القلق، وينعدم شغف الإنجاز، ويختلّ العدل، وتهبط الروح التنافسية الشريفة إلى أدنى مستوياتها.
• ويتغيّر حال المنظمة من كونها عبادةً ربانية، ومصلحةً عامة، وصناعةً للمستقبل، ومنبرًا للعلم والفضيلة، إلى كونها مرتعًا للروتين الممل، وبؤرةً للشللية. وتبرز الأنانية بوجهها القبيح، وتتغوّل الذاتية بشكلها الثقيل، وتظهر المجاملة والمحاباة الظالمة، وتتوقد نار التكبر وتعظيم الذات، وتأخذ الخيانة في التغلغل في أوصالها وأجزائها حتى تأتي عليها كلها. وهنا يظهر عوارها، وتنكشف أسرارها… ولكن بعد ماذا؟!
• فالقيادة التربوية فضيلة عظيمة تجتمع فيها فضائل الأعمال من تعليمٍ وتربية، وصدقٍ ونزاهة، واقتداءٍ، وخدمةٍ للأمة في أبنائها وحاضرها ومستقبلها، وإعدادٍ معتدلٍ للمواطن المسلم الصالح، وغيرها من المعاني السامية.
• فهذه الفضائل لا تتم تأديتها بطريقة سليمة ومؤثرة إلا إذا كانت الأمانة أصلًا للقيادة وركنًا أول لها.
• فلا قيادة مؤثرة وناجحة ومحققة لأهدافها السامية بدون أمانة، ولا أمانة بدون عدل، ولا أمن بدون أمانة وعدل، ولا إبداع بدون أمن.
لذا كانت الأمانة – من وجهة نظري – الركن الأول للقيادة التربوية التي يُرجى لها النجاح، ويُؤمَّل لها التأثير الإيجابي والبقاء الممتد.
والحمد لله العلي القدير، وسنكمل ما بقي في الأسبوع القادم بإذن الله، وإلى هناك نستودعكم الله الحفيظ العليم.
مدير عام التعليم بمنطقة مكة المكرمة – سابقًا







أركان ركينة …لكن …كأنها تأثرت بالإنسان فهي قد اعتمدت عليه كثيرا ..
هي مقالة ثرية من خبير ذي معرفة