“ألا ليت الشباب يعود يوماً!” — ليست مجرد بيت شعر نردده، بل أنشودة حنين تفيض بالأسى على ماضٍ ولّى، نرفعها شعاراً على صورنا القديمة، وكأننا نعلن الحداد على أيام لن تعود.
لكن، أليس هذا التعلّق بالماضي نوعاً من الهروب من الحاضر، ورفضاً لسنّة الحياة التي لا تتوقف؟
تعب العمر لا في رحيله بل في الحنين إليه
لقد سئمتُ هذه العبارة التي أثقلت صدري، لا لأنها تحمل ذكريات جميلة، بل لأنها تكشف ذهنية ترفض قبول سنن الحياة.
فالشباب زمن جميل، لكنه ليس نهاية العمر ولا قمته.
لكل مرحلة عمرية جمالها الخاص، وحكمة الوجود تكمن في أن نعيش كل مرحلة بما تتيحه من فرص ونِعم.
لماذا نتمسك بالماضي؟
الحنين إلى الشباب قد يكون في الحقيقة حنيناً إلى الطاقة التي امتلكناها، والحرية التي تمتعنا بها، والأحلام التي راودتنا.
وهو في جوهره تعبير عن:
• الخوف من الشيخوخة وما تحمله من تغيّرات
• الرغبة في الهروب من مسؤوليات الحاضر وضغوطه
• تذكّر اللحظات الجميلة من خلال عدسة مثالية تنسينا الصعاب
• تأثير المجتمع الذي يقدّس الشباب ويخاف من تقدّم العمر
لكن، أين نحن من الحاضر؟
الأخطر في هذه الذهنية أنها تسرق منا متعة العمر الحقيقي. فبدلاً من أن نعيش لحظاتنا بكل ما فيها، ننشغل بالحسرة على ما فات.
وكما يقول المثل الشعبي: «تبغى تعيش زمانك وزمان غيرك؟!»
إنها معادلة مستحيلة ترهق النفس وتُثقِل الروح.
فلسفة مختلفة للحياة
ولأنني مؤمن بأن الحكمة ليست في مقاومة الزمن، بل في مصادقته، أؤمن بأن:
• الجمال موجود في كل عمر، فلكل مرحلة روائعها الخاصة
• الصحة والعقل السليم هما الكنز الحقيقي، لا عدد السنوات
• القيمة في كيفية العيش لا في طول العمر
• الحاضر هو كل ما نملك، والماضي ذاكرة، والمستقبل أمل
كيف نعيش عمرنا كما هو؟
1. تقبّل سُنن الحياة: الشيخوخة ليست عيباً، بل هي علامة تجربة ونضج.
2. اكتشاف جمال المرحلة الحالية: لكل عمر فرصه وإنجازاته الخاصة.
3. التركيز على الصحة والعقل: فهما أساس العمر الكريم في كل مرحلة.
4. العطاء المستمر: فقيمة العمر بما نقدّمه لا بما نأخذه.
5. العيش الواعي: استشعار كل لحظة والاستفادة منها.
خاتمة
ليس العيب أن نتذكّر الماضي الجميل، بل أن نجعل منه سجناً نحاصر فيه حاضرنا.
فالحياة رحلة متصلة الحلقات، كل محطة فيها تستحق أن نعيشها بكامل طاقتنا.
فلنكن من الذين يعيشون زمنهم كما هو، بكل ما فيه من تحدّيات وفرص،
فلعلّ أجمل أيامنا لم نعشها بعد.
فلا تحنّوا إلى الشباب الماضي،
بل اجعلوا من عمركم الحالي شباباً جديداً بروح متجددة، وقلب شاكر، وعقل واعٍ.
وأختمها كما غنّت سعاد حسني بمرحٍ طفوليّ لا يخلو من الحكمة:
الدنيا ربيع والجو بديع
قفّل لي على كل المواضيع
ما فيناش كاني وما فيناش ماني
كاني ماني إيه؟ ده الدنيا ربيع!
خذ شمس وهوا على مية
بلا دوا بلا عيّا بلا مرّ




