في ذاكرة الوطن، هناك رجالٌ لا يغيبون، ونداءٌ لا يخفت مهما تغيّرت الأزمنة… إنهم رجال الدفاع المدني، أول من يهرع حين تشتعل النيران، وآخر من يغادر الميدان .
مئة عام مرّت، والوطن ينام قرير العين بفضل سواعدٍ ساهرة، تزرع الأمان حيث كان الخطر، وتطفئ الحريق قبل أن يلتهم الحياة، مئة عامٍ من البطولة التي لم تُكتب بالحبر، بل كُتبت بالدخان والعَرَق ووهج الشجاعة.
منذ البدايات الأولى، يوم كانت الأدوات بسيطة والمهام جسيمة، انطلقت المسيرة بإيمانٍ عميق بأن حماية الأرواح عبادة، وأن إنقاذ الإنسان رسالة لا تقلّ قدراً عن الدفاع عن حدود الوطن. ومع مرور الأعوام، نما هذا الجهاز في ظل قيادةٍ آمنت بأن الأمن لا يُصنع بالسلاح وحده، بل بصوت صافرةٍ تنذر، ويدٍ تمتدّ لتسعف، وقلبٍ لا يعرف التراجع.
لقد تحوّل الدفاع المدني إلى مدرسةٍ للبطولة والصبر، يتخرّج فيها رجالٌ لا يُقاس عطاؤهم بالوقت، بل بالمواقف. رجالٌ تمرّ بهم الكوارث فيبتسمون بثباتٍ، وكأنهم يقولون للخطر: لن تمرّ ما دمنا هنا.
وفي المئوية المجيدة، يقف الوطن ليُحيّي أبناءه المخلصين، مِنْ مَنْ حملوا المشاعل في ظلام الخطر، وجعلوا من العمل الإنساني طريقاً إلى المجد، يقف الوطن والمواطن ليقول لهم: أنتم من جعلتم السلام ممكناً، ومن كتبتم في دفتر الوطن أجمل معاني الفداء.
واليوم، وقد دخل الدفاع المدني قرنه الثاني، فإنه يمضي بثقةٍ نحو مستقبلٍ أكثر إشراقاً، مسلحاً بالعلم والتقنية، ومشدوداً بحبل القيم التي تأسس عليها منذ بدايته: الإخلاص، والإنقاذ، والإنسان أولاً.
سلامٌ على كل من وقف يوماً في وجه اللهب، وسلامٌ على من حمل المصباح في العاصفة، وسلامٌ على كل بطلٍ جعل من الخطر طريقاً إلى الأمان، ونسأل الله أن يتقبل شهداؤهم ويعافي مصابيهم ويجزاهم خير الجزاء .
فالوطن يزهو بهم، ويكتب في صفحاته البيضاء: مئة عام من الوفاء… ومئة قصة بطولة لا تنتهي.
وفي ظل رؤية المملكة 2030، يواصل الدفاع المدني مسيرة التحديث والتطوير، مستلهماً توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – في بناء وطنٍ آمنٍ مزدهر، يكون فيه الإنسان محور التنمية وغاية الإنجاز.
إن مئوية الدفاع المدني ليست مجرد احتفالٍ بزمنٍ مضى، بل عهدٌ جديد بأن تظلّ راية الوطن خفاقة وراية السلامة مرفوعة، وأن يبقى رجال الدفاع المدني رمزاً للوفاء والبطولة، يجسّدون قيم هذا الوطن العظيم ودام عزك يا وطن .






