المقالات

الطائف كما رآها الرحالة الموسوي

في القرن الثاني عشر الهجري، حلّ الرحالة والأديب علي نور الدين بن أبي الحسن الموسوي ضيفًا على الطائف،
مدينة التاريخ والأساطير،
فلم تكن زيارته
مجرد مرور عابر،
بل كانت رحلة عشق وتأمل، سجّل فيها انطباعاته ومشاهداته في مؤلفه الشهير: “نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس”، بلغةٍ رائقةٍ بعيدة عن جمود كتب الأخبار، وركاكة نقلة الروايات.

دوّن الموسوي انطباعاته عن بهاء المدينة، ومجالس علمائها وأدبائها، ووصف روعة مناخها، وسحر تضاريسها، وطيب هوائها، وعذوبة مائها، وما يدور في بساتينها من بهجةٍ ولطافةٍ وظرفٍ أدبيٍ وأخلاقي.

وقد أبرز تنوّع الطائف الزراعي، وخصوبة أراضيها، حين قال واصفًا بعض أطرافها:

“هي أرض أنيسة شريفة، بالأشجار الفائحة، والمياه السائمة، وبها الموز، والليمون، والنارنج، والأترج، وهي في غاية الشراحة جداً.”

وفي وصف آخر:

“هي بلاد عظيمة، بها المياه العذبة، والأشجار، والفواكه المختلفة، والأطيار، والأزهار، والشموس، والأقمار.”

أما عندما مرّ بمنطقة الهدا، لم يستطع كتمان وجدانه، فجعل الشعر وسيلته في البوح، فقال:

لقد زاد شوقي يا أخلائي للهدا
بلاد بها الإحسان والجود والهدى
حكت جنة الفردوس في الحسن والبها
حماها إله العرش من طارق العِدى
فواكهها قد جلت عن الحصر يا فتى
وفي روضها المنثور أضحى منضّدًا

بهذه اللغة المشرقة، أكد الموسوي، كما أكّد كثير من الرحالة قديمًا وحديثًا، مكانة الطائف كـ عاصمة المصائف، ووجهة فريدة تجذب الزوّار من الداخل والخارج. فهي واسطة العقد بين الغرب والوسط والجنوب، وجارة مكة، وبُستانها الدائم، ومصدر الفاكهة، وعاشقة الغيم.

واليوم، تحتفي الطائف بإرثها، وتستعد لعزف لحن الثقافة العربية من جديد عبر كرنفالها الأدبي والتاريخي في سوق عكاظ، الذي يعيد للذاكرة حكايات الشعراء، وخُطا الأدباء، وشهادات من مرّوا بها ولم ينسوها.

وهكذا بقيت الطائف، كما رآها الموسوي، قصيدة معلّقة على جبين الزمن، لا تبهت ألوانها ولا تخبو أصداؤها. ما بين غيمٍ يحتضن الجبال، وبساتين تسكب عبيرها في الأفق، وسطورٍ دوّنها الرحالة بشغف العاشق، تتجلى روح مدينةٍ تفيض بالجمال والمعنى.

ليست الطائف مجرّد مصيف أو محطة عابرة في خرائط الرحّالة، بل ذاكرة متوهجة بالدهشة، ووشمٌ في قلب كل من مرّ بها أو كتب عنها. فيها يلتقي الأدب بالتاريخ، ويتعانق الشعر مع الطبيعة، وتبوح الحجارة القديمة بأسرارٍ لا يعرفها إلا من أنصت لقلب المكان.

وفي كل مرة نعود فيها إلى وصف الموسوي، نكتشف أن الطائف ليست فقط ما نراه… بل ما نشعر به حين نقرأها بعين من أحبّها

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى