المقالات

المُر وألذي أمرّ منهج

يتناقص الأحباب، ويختفي الأصدقاء الذين يا ما جاملتهم في مناسباتهم، وفزعت معهم، وراعيتهم، واستقبلتهم في منزلك، وهات يا مقبلات ومكسرات وقهوة وشاي والعلوم السفرة.هذا هو المرّ.
أما الأمرّ منه، فهو عندما تضيق بك الحال، ولم تعد في وارد ذلك بسبب ظرف مادي طارئ، أو حالة نفسية نتيجة معارك الحياة، وتحاول بكل ذوق أن تعتذر بأن ظروفًا صحية وعائلية شغلتك، فيردّون عليك:“باين عليك تغيّرت، وأصبحت أشعب زمانك، وما منك فايدة، وترانا نفهمها وهي طايرة، ”
ويمسحون رقم جوالك من الواتس وغيره، وذاك وجه الضيف!
فتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولكن “فكة من جحا غنيمة”.
والمرّ أن تنفق على أهلك وأقاربك من شقاء السنين اللي مضت راحت ، وتعاني وتحرم نفسك من أبسط حاجياتك لتجعلهم سعداء، وتتحمّل كل ذلك بصبر.
حتى كلمة “شكرًا” أو “يعطيك العافية” لا تسمعها، وكأنها من الممنوعات، لأنهم يعتبرونك مجرد “صراف”.
والأمرّ منه، عندما يطلب أبناؤك الحجر عليك، فهم يريدون كل شيء، وهم الآمر الناهي.هكذا ينقلب أحبّ الناس إليك عليك، فتحزن وتتألم، وتقول في نفسك: حتى أنت يا بروتس!
يتصل عليك أحد أرحامك أو أصدقاء الديرة فجأة، ويقولون: “بعد ساعتين ترانا طابين عندك، سنّع العشاء.”
وأنت، وقد صدمك الأمر، فالحال الله يعلم به، والوقت ضيّق.لكن تجري جري الوحوش لكي “تسنّع” لهم العشاء الدسم، وأنت ذاتك تحتاج من “يسنّع” أمورك، وتضطر لتدبير المبلغ من باقي مصروف الشهر، أو ربما تلجأ للسلف.
وبعد الأكل والقهوة والحلا، ، يقولون:
“ترا مشيناها لك، الطلي كان هرِم، والرز ما هو بسمتي ولا بسمتك.” ترا خلاص نبي ننام.
تقول: “الله معكم.”فيردّون: “ما شاء الله، قد جهزت لنا غرفة النوم، ترا ما نبي بطانيات.”
فتنفس عن نفسك بقول الشاعر:
ليـا جـانـي الـعـانـي وأنـا مـامـعـي شــي
ودي تـجـيـنـي قـبـل يـاتـي وفـاتـي
إن إعـتـذرت ظـن ظـن الـردى فـي
وأنـا الـردى مـاهـو صـفـه مـن صـفـاتـي
أضـحـك وأهـلـي بـه وأنـا مـنـكـوي كـي
مـن خـوفـي الـتـقـصـيـر فـي واجـبـاتـي.
في رحلة إلى منتزه فيه أشجار، تهبّ ريح وتتطاير شوكة وتحطّ في عينك – لا قدر الله – تصيح: “يا عيني تألمني.”
يقولون: “المستشفى قريب، لا تشيل هم،
يخدّرك الطبيب، وبعد ما تنتهي العملية، يقولون لك: “ مبروك الحمد لله على السلامة.”تشيل الربطة عن عينك ولا ترى شيئًا.يقولون: “ما حبينا نخبرك وقتها، الطبيب وهو يحاول يخرج الشوكة فقأ العين.”وأصبحت “غينًا”.
وحسب ما يقولون، نجحت العملية لكن المريض مات، يعني “جاء يكحلها عماها.”
تضع أموالك في السوق البيضاء، وهي سوق الأسهم .بعد ما تضع أموالك في المحفظة وتشتري الأسهم ، وتنتفخ المحفظة، ومعها تنتفخ أوداجك فرحًا على إنك أصبحت غنيًا.وفي يوم من الأيام ، السوق بدأ في الهبوط. ويطمنك من ائتمنته على إدارة أسهمك:ترا الوضع طبيعي، والعلاج أنك تتركها، والسوق بيرجع ويصحح نفسه.”
وتصحو اليوم الثاني من أحلامك ، تجدها صفراً، ويا مدوّر المكسب، رأس مالك ضاع.ولا أحد يقول: “هذا إنسان غبي”، ففي فبراير عام 2006 ضاعت تحويشة العمر لكل ضعفاء المستثمرين في سوق الأسهم، وأكيد ليس كل هؤلاء أغبياء، ولكنهم لم يكونوا بلا ضمير كما كان من لهف السوق ومزمز على أموال البسطاء، حتى لو كانت مجرد آلاف معدودة.
هذه نماذج للـمرّ والذي أمرّ منه، وربما في مقال قادم أكتب عن الحلو والذي أحلى منه، وإن كان يبدو لي هذا صعباً ، فالحلا عزيز وغالي.
تمضي الحياة وأنت تعاني الأمرّين بين المرّ والذي أمرّ منه، وبينهما مساحة معاناة قد لا يسلم منها إلا من رحم ربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى