الفريق عوّاد البلوي، مدير عام حرس الحدود السعودي سابقًا، وعضو مجلس الشورى حاليًا، رجل عرفته ذو أخلاق فاضلة وصفات حسنة؛ كريم الشمائل، لا تزال في الذاكرة دعوته لي غير مرة في مدينة لندن لتناول طعام العشاء في مطاعمها الشهيرة، وخاصة في المطعم الصيني بفندق الرويال غاردن في شارع كينزينتون، وآخرها قبل أسبوعين في داره العامرة بمدينة الرياض.
رجل ينطبق عليه المثل القائل: «فلان أول ما تقابله تشعر أنك تعرفه من سنين»؛ عذب الحديث، مثقف، يتكلم أكثر من لغة، بالإضافة إلى العربية طبعًا.
دعاني للكتابة مقال نُشر بالمجلة اليابانية «أماروا» في العدد (8) أغسطس 1985م، وأترككم مع ما جاء فيه دون تعليق:
حين يلتقي أشخاص ينتمون إلى لغات وعادات وديانات مختلفة، فإن أول ما يفكر به كل طرف هو: كيف يمكنني أن أجعل الآخر يفهمني؟ ويترافق ذلك أحيانًا مع القلق من أن الطرف الآخر قد لا يفهم. وحين تحدث خلافات في العمل أو تتعارض المصالح، وتراهم يتجادلون بشدة، قد يخيل للمرء أنه لا فائدة… فلن يفهموني.
لذلك فإن التفاهم بين أبناء شعوب مختلفة ليس بالأمر السهل. ولكن عندما يتمكن الطرفان من تجاوز هذه الحواجز، ويكتشف كل منهما في الآخر إنسانًا جديرًا بالثقة والصداقة، يكون الفرح مضاعفًا.
ومن بين أولئك الذين لا يُشعرونك بحاجز الاختلاف في العادات أو الجنسية، كان القائد النقيب عوّاد البلوي، المسؤول عن وحدة خفر السواحل – كتيبة أمن الميناء في الخفجي. ضابط عربي محترم، صارم، ويتمتع بأخلاق عالية، ويستحق كل تقدير.
في فترة تصاعد الحرب العراقية–الإيرانية، وبعد تعرض حقل نوروز النفطي للقصف، بدأت كرات من النفط الخام تتسرب إلى سواحل الخفجي. ولحماية السكان من التلوث النفطي، أصدرت وزارة الداخلية السعودية قرارًا يمنع الصيد في المنطقة. وبما أن الصيد كان المتنفس الوحيد لسكان الخفجي، عاش محبو الصيد ثلاثة أشهر من الضغط والضجر.
ثم جرت مفاوضات بين مسؤول خفر السواحل في الخفجي وبين كبير أعضاء نادي الصيد في شركة الزيت العربية أرامكو، وانتهت إلى اتفاق يقضي بالسماح بالصيد للترفيه فقط، بشرط التسجيل المسبق قبل الإبحار.
انطلق أحد الصيادين في أول رحلة بعد فك الحظر، وكان الحظ وفيرًا:
• هامور يتجاوز 80 سم
• أكثر من 30 سمكة «أجي» (catfish) يصل طول بعضها إلى 40 سم
لكن أثناء عودة الصياد، ألقى القبض عليه أحد الجنود المرابطين في الميناء، وتم اقتياده إلى مبنى خفر السواحل. وللمفاجأة… اقتيد الصياد مباشرة إلى أمام الثلاجة الكبيرة في المطبخ! فقد صادَر الجندي كامل كمية السمك بدعوى مخالفة التعليمات، وكأنها للصرف الغذائي للوحدة العسكرية.
اشتعل غضب الصياد، فقد شعر بالخيانة بعد شهور من الانتظار. وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى النقيب عوّاد البلوي ليقدم احتجاجًا شديدًا. استدعى النقيب الجندي فورًا، فوقف يرتجف في وضع الاستعداد، ثم وبّخه بقسوة حتى رقّ قلب الصياد عليه.
لكن النقيب قال له بحزم:
«لا حاجة لأن تدافع عن رجالي. تحقق من عدد الأسماك… هل هذا هو العدد الصحيح؟ نحن ملتزمون تمامًا بالاتفاق الذي تم بين المقدم علي وكبير نادي الصيد.»
لقد كان مشهدًا نادرًا لضابط عربي يقف مع الحق كما هو، دون تحيز لجندي من وحدته على حساب الصواب. غادر الصياد وهو يحمل سمكه وشيئًا آخر أثمن… إنه تقدير عميق لشخصية النقيب عوّاد البلوي. ومن ذلك اليوم نشأت بينهما صداقة قوية مبنية على العدل واحترام المبادئ.



مقال فخر وإعتزاز يكتبه معالى الزميل أ.د. بكرى عساس عن شخصيه معروفه هو الفريق م. عواد البلوى يصف فيه القيم الأخلاقيه التى تتمتع بها هذه الشخصيه وهذا يعبر عن نُبل الكاتب وعمق وأصالة الصفات الإنسانيه للمكتوب عنه رغم طبيعة العمل العسكرى بما يتصف به من حزم فهنيئا لكم د بكرى بأصدقائكم