ليست ميزانية 2026 مجرّد جداول وأرقام، بل يمكن قراءتها كـبيان اقتصادي يعلن دخول الاقتصاد السعودي المرحلة الثالثة من رؤية 2030 بمنطق مختلف: الانتقال من إثبات القدرة إلى تعظيم الأثر المستدام، في عالم يتباطأ نموّه وتشتد فيه الحمائية والمخاطر الجيوسياسية.
تقديرات إعلان ميزانية المملكة لعام ٢٠٢٦ كشف أن الحكومة تراهن على نمو حقيقي للناتج المحلي يبلغ نحو 4.6% في 2026، مدفوعاً بالأنشطة غير النفطية التي وصلت مساهمتها إلى نحو 55.4%من الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي، مع استمرار تحسّن سوق العمل بانخفاض بطالة السعوديين إلى 6.8% وارتفاع مشاركة المرأة إلى 34.5%، في ظل تضخم قريب من 2% فقط. هذه المجموعة من المؤشرات تعني أن الطلب المحلي، لا برميل النفط، هو قاطرة النمو الرئيسة في السنوات القادمة.
في المقابل، تعتمد الميزانية سياسة مالية توسعية معاكسة للدورة الاقتصادية؛ فإجمالي الإيرادات المتوقَّعة يبلغ نحو 1,147 مليار ريال مقابل نفقات تقترب من 1,313 مليار ريال، أي عجز يقارب 3.3% من الناتج المحلي، مع مسار تصاعدي للإيرادات حتى 1,294 مليار ريال في 2028، واستمرار الإنفاق عند مستويات تفوق 1.4 تريليون ريال. هذا العجز ليس استهلاكياً، بل عجز استثماري يموِّل تحوّلاً هيكلياً؛ إذ ارتفعت حصة الإيرادات غير النفطية إلى نحو 50% من إجمالي الإيرادات مقارنة بـ27% في 2015، في ظل تصنيف ائتماني سيادي عند A+/Aa3 مع نظرة مستقرة من كبرى الوكالات.
الرسالة الأعمق في ميزانية 2026 أن المواطن يظل محور الإنفاق، وأن استدامة المالية العامة لا تُقاس بتصفير العجز بقدر ما تُقاس بقدرة الدولة على تمويل التعليم والصحة والبنية التحتية والقطاعات الجديدة – من السياحة واللوجستيات إلى الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي – دون كسر انضباط الدين العام وكفاءة الأنفاق.
من زاوية اقتصادية، تبدو ميزانية 2026 واعدة بأن يتحوّل هذا الإنفاق التوسعي من مجرد أرقام في بيان إلى دينامو حقيقي للنمو؛ يرفع الطاقة الإنتاجية، ويعزّز الصادرات غير النفطية، ويوسّع قاعدة الوظائف النوعية، ويستقطب استثمارات خاصة تدخل شريكاً واثقاً في اقتناص عوائد التحوّل السعودي الكبير.






