المقالات

لونا الشبل: لماذا يعلو ملف ويتوارى آخر؟

أعادت التسريبات الأخيرة التي ظهرت فيها لونا الشبل إلى الواجهة سؤالًا جوهريًا حول كيف تُصنّف وسائل الإعلام القضايا، ولماذا تتحول بعض الأحداث إلى ملفات دولية بينما تبقى أخرى في الهامش. فرغم أن الشبل تنتمي إلى المهنة نفسها التي ينتمي إليها جمال خاشقجي، لم تتعامل شبكاتها الإعلامية ولا المؤسسات التي عملت لصالحها مع حادث وفاتها والتسريبات اللاحقة بوصفها قضية تستدعي التوسع أو التحقيق.
وفق نظرية ترتيب الأولويات، لا يبرز حدث ما لأنه الأهم بالضرورة، بل لأنه الأكثر قدرة على خدمة الزاوية التي تحددها المنصة الإعلامية. ومن هذا المنطلق، يتضح أن صعود ملف خاشقجي على سبيل المثال إلى صدارة النقاش العالمي لم يكن بسبب الحدث وحده، بل لطريقة استثماره إعلاميًا. فقد تم دمجه في سرديات جاهزة تتعلق بحرية الصحافة، والصراع السياسي، والصورة الدولية للدول المعنية، مما جعله مناسبًا للاستخدام في الخطاب الحقوقي والدبلوماسي.
وهنا يظهر تناقض آخر يرتبط بما تسميه بعض المؤسسات “المهنية”. فمع أن هذه الجهات تبني جزءًا كبيرًا من صورتها على ادعاء الحياد والالتزام بالمعايير الأخلاقية، إلا أن هذا الادعاء غالبًا ما يتحول إلى ترف لغوي أكثر منه ممارسة فعلية. فالمعايير التي يُفترض أن تقود القرار التحريري تتراجع أمام اعتبارات جدول أعمال السياسية أو التمويل أو لحظة الاصطفاف، ما يجعل “المهنية” في كثير من الحالات غطاءً يمنح الشرعية لانتقائية التغطية بدل أن يكون إطارًا ملزمًا لتوازنها.
في المقابل، لم تجد قضية لونا الشبل مكانًا مشابهًا داخل هذه السرديات؛ رغم تزايد الرواية التي تدعي تدبير حادث السير لها. إلا أنها لا ترتبط بمسارات سياسية دولية نشطة، ولا تخدم الأجندة التي عادة ما تدفع مؤسسات إعلامية كبرى إلى تحويل حادثة فردية إلى قضية عالمية. وهنا يصبح التباين في التغطية نتيجة لغياب “المسار السياسي الجاهز” الذي يمكن للقنوات تبنيه، لا لغياب الحدث نفسه.
هذا التناقض يفتح بابًا لأسئلة تستحق التأمل:
ما الذي يجعل خبرًا معينًا قابلًا للترقية إلى قضية دولية بينما يظل خبر آخر -مشابه من حيث طبيعة الشخصية – بلا أثر يُذكر؟
هل تعتمد أولويات التغطية على قيمة الحدث، أم على قدرة المنبر الإعلامي على توظيفه ضمن أجندته؟
لماذا لم تُظهر المؤسسات الإعلامية التي احتفت بقضية خاشقجي حماسة مشابهة تجاه لونا الشبل، رغم وحدة المهنة وتشابه العناصر الأساسية في القصتين؟
وإلى أي حد يُعاد تشكيل اهتمام الجمهور بناءً على ما تقرر المنصات تضخيمه أو تجاهله؟
مثل هذه الأسئلة لا تبحث عن إدانة، بل تكشف آلية العمل الحقيقية داخل منظومة الإعلام: الأحداث لا تُصنع أهميتها ذاتيًا، بل تُمنح أهميتها عبر التقاطع مع أهداف الخطاب الإعلامي ومصالحه.

رائد جابر الزهراني

مُحاضر بقسم الإعلام في جامعة الملك فيصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى