يعيش الإنسان في عالمٍ تتزاحم فيه المفردات كما تتزاحم الأحداث، غير أن بعض الكلمات تحمل في داخلها صورة دقيقة لما نعيشه يوميًا، ومن بينها كلمتان تبدوان متقاربتين في الصوت، مختلفتين في الجوهر والمعنى وهما التوتر والتواتر.
فالتوتر هو ذلك الشرخ الخفي الذي يتسلل إلى الروح حين تختلّ معادلة الطمأنينة،وهو ارتجافة القلب قبل قرارٍ مصيري، وارتباك اللحظة التي لا نملك فيها تفسيرًا واضحًا لما نشعر به.
لذلك هو حالة داخلية، تنشأ حين يعلو صوت الأسئلة على صوت اليقين، وحين يشعر الإنسان أنه يقف على حافة الهاوية بين رغبةٍ لا يستطيع الوصول إليها،وخوفٍ لا يعرف كيف يتجاوز حدوده.
ذلك هو التوتر أما التواتر فهو نهراً من الأحداث المتتابعة، لا يعرف التوقف ولا يجيد الالتفات إلى الخلف.
فهو إيقاع الزمن حين يسرع، وهو مشهد الأخبار حين تتوالى، والوقائع حين تتكرر حتى يصبح الحدث الواحد نسقًا عاماً لا يمكن تجاهله.
والتواتر لا يبدأ من الداخل، بل ينطلق من حركة الخارج، ومن ضجيج الأيام والسيول المتدفقة التي ترسم لنا ملامح المرحلة التي نعيشها.
لذلك فإن بين التوتر والتواتر علاقة طردية دقيقة؛ فحينما يتواتر الخارج بأحداثه وضغوطه، يتولد التوتر في الداخل.
فالإنسان ليس معزولًا عن محيطه، بل هو مرآة لما يمر به، وكلما اشتدّت سرعة العالم من حوله، ازدادت حاجة النفس إلى سكينة تُوازن هذا الجريان المتسارع.
إنّ فهم الفرق بين التوتر والتواتر ليس مجرد تمرين لغوي، بل هو قراءة في حياة الإنسان نفسها…
فالحياة لا تتوقف عن التواتر، أما نحن فنتوتر حينما لا نجد في داخلنا مساحة توقف صغيرة نلتقط فيها أنفاسنا .
• كاتب رأي ومستشار أمني





