الثقافيةالمقالات

«هوية وإبداع»… حين تتحول المؤتمرات إلى منصات علمية

حينما تتحول المؤتمرات إلى منصات علمية فاعلة، تحضر جامعة أم القرى، ممثلة في كلية التصاميم والفنون، بوصفها نموذجًا لتحويل المعرفة الأكاديمية إلى منصة علمية حية، تتجاوز حدود الطرح النظري إلى فضاء التطبيق والتأثير المجتمعي. ومن هذا المنطلق، جاء مؤتمر الحِرَف اليدوية «هوية وإبداع» ليعكس هذا التوجه، ويؤكد أن الجامعة لم تعد مساحة للتعليم فقط، بل شريكًا فاعلًا في صناعة الوعي الثقافي والاقتصادي.

المؤتمر، الذي أُقيم في المدينة الجامعية بالعابدية، لم يكن مناسبة خطابية عابرة، بل تجربة معرفية متكاملة شارك فيها أكثر من 50 متحدثًا ومدرّبًا من الأكاديميين والخبراء والمتخصصين في مجالات الحِرَف اليدوية والتصميم والتراث، ناقشوا مستقبل الحِرَف اليدوية بوصفها أحد مكونات الاقتصاد الإبداعي وركيزة أساسية من ركائز الهوية الوطنية.

وتوزّع البرنامج العلمي على ثماني جلسات علمية تناولت محاور متعددة، من أبرزها توثيق التراث الحِرَفي، ودور التعليم والتدريب في تمكين الحِرَفيين والحِرَفيات، والصناعات الإبداعية، إضافة إلى تسخير التقنية الحديثة في تطوير الإنتاج الحِرَفي ورفع جودته وربطه باحتياجات السوق المعاصر.

وعلى المستوى التطبيقي، مثّلت ورش العمل الست والعشرين المصاحبة للمؤتمر مساحة حيوية لنقل المعرفة من القاعة إلى الواقع، حيث تنوّعت بين ورش علمية ومهنية، وورش مقدمة من بنك التنمية الاجتماعية ركزت على التمويل والدعم، إلى جانب ورش مخصصة للحِرَفي الصغير، وأسهمت في تنمية المهارات، وتعزيز الابتكار، وفتح آفاق جديدة للتسويق والتطوير، بما يدعم استدامة الحِرفة وتحويلها إلى نشاط إنتاجي منظم.

كما شكّل المعرض المصاحب للمؤتمر بعدًا تفاعليًا مهمًا، بمشاركة أكثر من 100 حِرَفي وحِرَفية، قدّموا نماذج متنوعة من الإنتاج الحِرَفي المحلي، إلى جانب ملصقات علمية عكست أحدث الدراسات والأبحاث المتخصصة في هذا المجال. وقد سجّل المعرض حضورًا لافتًا تجاوز عشرة آلاف زائر وزائرة، ما يعكس تنامي وعي المجتمع بقيمة الحِرَف اليدوية بوصفها إرثًا ثقافيًا وموردًا اقتصاديًا واعدًا.

وتكمن أهمية المؤتمر في كونه جسّد تكاملًا حقيقيًا بين المعرفة الأكاديمية والتطبيق الميداني، وأسهم في ربط البحث العلمي باحتياجات الحِرَفيين، وبناء جسور تعاون بين الجامعة والجهات الثقافية والتمويلية والتنموية، بما يعزز حضور الحِرَف اليدوية ضمن منظومة الاقتصاد الإبداعي، ويرسخ دور الجامعة في خدمة المجتمع.

إن منجزات مؤتمر «هوية وإبداع» تؤكد أن الحِرَف اليدوية لم تعد مجرد ذاكرة ثقافية، بل موردًا واعدًا للتنمية الاقتصادية، وعنصرًا فاعلًا في تعزيز الهوية الوطنية. كما تعكس الدور المتنامي لجامعة أم القرى في دعم المبادرات الثقافية والعلمية، وتمكين القطاعات الإبداعية، وصون الإرث الثقافي، وتوظيفه في مسارات التنمية المستدامة.

والشكر موصول لتميّز كلية التصاميم والفنون بجامعة أم القرى، ممثلة في عميدتها الأستاذة الدكتورة سميرة بنت أحمد الفيفي، ولـفريق العمل بكلية التصاميم والفنون، وعلى وجه الخصوص لجنة الفعاليات والمعارض بالكلية، وكافة الإدارات المساندة التي شاركت في تنظيم المعرض، وذلك نظير ما بذلوه من جهود نوعية أسهمت في إخراج المؤتمر بصورة احترافية، عكست مستوى التنظيم والتكامل المؤسسي، وقدمت نموذجًا ناجحًا للعمل الأكاديمي المشترك في خدمة الحِرَف اليدوية والاقتصاد الإبداعي.

وفي المحصلة، يرسّخ مؤتمر «هوية وإبداع» قناعة متزايدة بأن تحويل المعرفة إلى ممارسة، والجامعة إلى منصة علمية مفتوحة،طريقا للإبداع والتميز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى