الحجّ نداء رباني يملأ صداه القلوب المؤمنة، وشوقٌ روحاني تتوق إليه الأفئدة المتعطشة، وفريضة عظيمة تتجلى فيها أسمى صور الخضوع لله عز وجل، يتجرد فيها المؤمن من كل مظاهر الدنيا الزائفة، فيقف أمام ربه أشعث أغبر، يلهج قلبه ولسانه بالذكر والدعاء. كما أنه موسم عظيم يجتمع فيه المسلمون في زمن واحد وعلى صعيد واحد، من كل أرجاء المعمورة، ملبين دعوة ربهم حين قال جل في علاه:
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [سورة الحج].
وفي خضم هذا المشهد الإيماني العظيم، ومع الازدياد الكبير في أعداد المسلمين حول العالم، ومع هذا الاجتماع المهيب، والسيل الإنساني الجارف الذي بات يتكرر مشهده في كل عام، وضعت المملكة العربية السعودية تعليمات واضحة وشاملة تنظم أداء فريضة الحج، تهدف تلك التعليمات إلى حماية الأرواح، وتنظيم الحشود، وتقديم الخدمات على أكمل وجه، حيث أطلقت كافة الجهات الأمنية والتنظيمية للحج منذ أكثر من أربع سنوات شعار:
“لا حج بلا تصريح”.
هذا الشعار الذي نُودي به ليكون أداة تنظيمية تصون هذا الركن العظيم من الفوضى والازدحام، التي أصبحت تهدد أرواح الحجاج وتثقل كاهل الخدمات الطبية والأمنية، لأن البعض قرر تجاوز النظام بدعوى أن الحج عبادة لا تقيّدها الإجراءات.
وعلى ذلك، فإن الحصول على تصريح الحج لم يعد إجراءً إداريًا وتنظيميًا فحسب، بل أصبح واجبًا شرعيًا، أفتى بضرورته كبار هيئة العلماء، كونه يضمن سلامة الحجاج، ويسهّل عليهم أداء مناسكهم، ويسهم في تنظيم أعدادهم بما يتناسب مع الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة، مما يقلل من مخاطر التدافع، ويمنع الازدحام، ويضمن تقديم الخدمات الصحية والأمنية بشكل فعّال، ويساعد في تنسيق مراحل الحج بدءًا من استقبال الحجاج في المنافذ، وتوزيعهم على مخيماتهم، وتنظيم رحلاتهم لأداء المناسك المختلفة، وانتهاءً بوداعهم وعودتهم إلى ديارهم سالمين غانمين.
وختامًا، فإنه لم يعد تصريح الحج خيارًا للحاج، بل أصبح ضرورة ملحّة تُبنى عليها سلامة الأرواح، وقدسية الشعيرة، وتطبيق النظام، لا سيما في زمن الحشود المليونية، التي تجتمع كل عام في المشاعر المقدسة خلال زمان ومكان واحد.
كما أنه يجب على كافة المسلمين أن يدركوا بعقلانية تامة أن ما تتخذه المملكة العربية السعودية من إجراءات تنظيمية وتصاريح إلزامية للحج إنما هو نابع من فهم عميق للواقع، واستيعاب دقيق لمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، فالحج عبادة جماعية ضخمة، تستوجب تنظيمًا بالغ الدقة، وإدارة حكيمة توازن بين قدسية الشعيرة وضوابط الأمن والسلامة. “ولا حج بلا تصريح”.
همسة قلم
احترام أنظمة الحج، يعد تعبيرًا عن رقي حضاري يجمع بين العبادة والوعي والمسؤولية