في الباحة، لا يكتمل الغيم إن لم يكن وراءه من يُجيد توجيه نسائمه، ولا تثمر الأرض إلا إذا احتضنتها رؤية تعرف كيف تُطلق من التراب زهراً، ومن الجبل مزاراً.
الباحة، هذه اللؤلؤة الجبلية، لم تُشرق فقط بجمالها الفطري، بل بنهضة متكاملة نسجتها يد قيادة مخلصة، استشرفت القيمة في الجمال، وأدركت أن المكان حين يُصان بروح من يقوده، يتحوّل إلى رسالة حب لا تموت.
تحت ظل صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز، أشرقت الباحة من جديد، لا فقط كمنطقة إدارية، بل كفكرة متكاملة للحياة؛ تلبس ثوبها التراثي دون أن تنزع عن كتفيها وشاح التنمية.
رأى سموه أن الجمال لا يكتمل بالمنظر وحده، بل بوعي الناس به، فامتدت الرؤية لتُعيد القرى القديمة إلى الواجهة، فـ”ذي عين” لم تعد مجرد أطلال بل نافذة حيّة على تاريخٍ ما زالت عينه الحجرية تروي أسرار البقاء، و”قصر بخروش” لم يعد فقط برجاً شامخاً، بل صار رمزًا للمقاومة والكرامة والعزّة.
وإلى جواره، يقف قصر برقوش التراثي شامخًا، يُحدّث الزائر عن فنون العمارة الجبلية وعمق الحضور السياسي والثقافي للمنطقة في مختلف العصور.
وسارت الأمانة بخُطى واثقة إلى جوار الإمارة، لا لتنشئ الطرق فحسب، بل لتُعبّد المسارات نحو مستقبل تُحفظ فيه الهوية وتُصان فيه التفاصيل.
عادت الغابات تستقبل الزوّار، وارتدت الحدائق مثل منتزه الأمير حسام وحديقة الأمير سلطان حللًا من التنظيم والجمال، وتحوّلت الأسواق الشعبية إلى مهرجانات حيّة تنبض بالحرف القديمة والنكهات الأصيلة، فصار لكل موسم عبيره، ولكل فعالية صدى يتردد في أودية تهامة والسراة.
ومن ملامح هذا الحراك الثقافي الغني، مهرجان الرمان في بيدة، الذي يبرز فاكهة الباحة الأشهر ويكرّم مزارعيها، ومهرجان العسل الذي يجتذب النحالين من أنحاء المملكة، ومهرجان “باحة الألوان” الذي يزهر بالفن البصري والأزياء التقليدية والحرف التراثية، إلى جانب مهرجانات الشعر، والفنون الشعبية، والمعارض الثقافية، التي تُقام صيفًا وعلى مدار السنة، لتتحوّل الباحة إلى منصة دائمة للفرح والانتماء والهوية.
ولم يكن هذا كله ليتحقق لولا التحام الجهات التنفيذية والمجتمع المحلي، وحرص سمو الأمير على استنهاض طاقات الشباب والمستثمرين، وتيسير الفرص لكل من أراد أن يجعل من الباحة محطة عطاء ووجهة مستدامة.
في الباحة، لا يُقال للضيف “مرحباً” فحسب، بل يُستقبل بعين لا تُغمض، وبيد لا تُرتجف.
الكرم هنا ليس ترفاً ولا طقساً يُؤدى، بل جوهر متأصّل، يُقدَّم فيه الرمان قبل السؤال، والعسل قبل الحديث، والابتسامة قبل السلام.
هكذا صارت الباحة وشاحاً لا يُنسى في ذاكرة الجنوب.
أيقونة الجنوب وقلادة الوطن… ترقص فيها الأشجار، وتغني فيها الحجارة، وتبتسم فيها الجبال للغيم.
مدينة لا تُروى فقط في الأخبار، بل في القصائد، في خرائط الحنين، وفي دفاتر المجد الذي صيغ بأيدٍ عشقت المكان، وآمنت بأن الجمال حين يُحكم… يُثمر وطنًا لا يُنسى.
ويتطلّع أهالي المنطقة وزوّارها إلى ازدياد المشاريع السياحية، والفنادق، والمطاعم، والمساحات الخضراء، التي تجعل من الباحة وجهةً لا تزورها فحسب… بل تعود إليها كلّما اشتقت للسلام

