المقالات

الطالب الدولي ثروة اقتصادية

تعمل غالبية دول العالم على استقطاب الطلاب الدوليين من خلال جامعاتها، وتتباين وتختلف في أهدافها حول عدد الطلاب والدول التي تركز عليها في عملية ذلك الاستقطاب، وهي حريصة بكل تأكيد على أن يحظى الطالب الدولي بتعليم جيد، وانغماس لا بأس به في المجتمع؛ وبالتالي يكون فيما بعد، حاملًا لقيم ذلك البلد وسفيرًا له، وهذه الأهداف في ظاهرها نبيلة ورائعة، لكنها في تصورات بعض الدول وأعني أمريكا وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة، أنها تفتقر للبعد الإستراتيجي والاقتصادي، لذا فهي تنظر إلى الطالب الدولي كمورد هام، يعود على البلد بعوائد اقتصادية حقيقية، فعلى سبيل المثال فإن التجربة الأمريكية تتحدث في عام (٢٠١٨م) عن إنشاء (٢١) شركة أمريكية بقيمة “مليار دولار” هي من بنات أفكار طلاب دوليين قدِموا إلى الولايات المتحدة الأمريكية! وبحلول عام (٢٠٢٢م) ارتفع عدد الشركات الناشئة إلى (١٤٣) شركة! وهذا وفق ما نشرته مجلة ICEFINSIGHTS,2025 ” ” نقلا عن الشركة التعليمية الكندية “ApplyBoard” والعدد كما يُلاحظ في تزايد مستمر، وهذا يتسق مع مقولة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن ” التعليم الدولي لا يفيد الأفراد فحسب، بل إنه ضروري أيضًا للدبلوماسية الأمريكية، وقدرتنا التنافسية الاقتصادية، وحتى أمننا القومي”، كما وأشار البنك الملكي الكندي إلى أن الطلاب الدوليين يشكلون مصدرًا رئيسًا للمواهب؛ إذ يمثلون ما يقرب من ٤٠٪ من المهاجرين الجدد، والتي تبلغ دراستهم للهندسة والرياضيات وعلوم الحاسوب ضعف احتمالية الطلاب المحليين، في حين ذكر صراحة الرئيس التنفيذي لرابطة التعليم الأسترالي الدولي – فيل هونيوود- بقوله” الطلاب يساعدون أستراليا على النجاح”، وهو محق في ذلك! حيث يمثل التعليم الدولي رابع أكبر صادرات أستراليا وأكبر صادراتها الخدمية (منظمة دعم التعليم الدوليICEF) وهناك الكثير من التجارب الأخرى التي تنظر إلى الطالب الدولي كرقم اقتصادي متنامي. وعند الوقوف حقيقة على تجربتنا ومن خلال جامعاتنا وفي ظل الإمكانات الكبيرة والجهود الواضحة حول استقطاب الطلاب الدوليين فإننا نلحظ وصولًا لبعض تلك الأهداف، ولكنها في الحقيقة تظل شحيحة تجاه ما بُذل ويُبذل، فكم كان من الممكن استثمار تلك العقول الفريدة التي قَدِمت إلينا وإعطائها الفرصة الكافية لأن تشارك معنا في تمتين اقتصاد متين، وحتى لا نطيل الالتفات كثيرا إلى الخلف، وفي ظل رؤية (٢٠٣٠م) فإننا بحاجة ماسة إلى بناء استراتيجية تجعل من الطالب الدولي عقلا يُفكر، داخل الجامعة وخارجها، مرتكزة في بُنيتها على ما يعرف بتجربة العميل”CX” أو “تجربة الطالب الدولي” بداية من الوصول إليه في مكانه ومرورًا بتجربته العميقة وحتى عودته إن رغب، ولا يمكن لذلك أن يكون إلا بتظافر الجهات التعليمية المعنية وبتكامل حقيقي متسق.

*باحث دكتوراه في التعليم والقوة الناعمة.

أحمد حسن الذبياني

باحث دكتوراه في التعليم والقوة الناعمة.

تعليق واحد

  1. قرأتُ باهتمام بالغ مقال الدكتور حسن الذبياني حول أهمية الطالب الدولي، ووجدتُ فيه من الرصانة والعمق ما يعكس فعلاً فهماً استراتيجياً للدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه التعليم في بناء الاقتصاد وتعزيز القوة الناعمة.

    وبصفتي أحد خريجي برنامج الابتعاث، حيث قضيتُ أكثر من 11 عاماً في الولايات المتحدة، يمكنني القول إنني شاهد حي على ما تفضل به الدكتور، لا سيما ما يتعلق بتجربة الطالب الدولي من حيث التأثير المتبادل بينه وبين المجتمع المضيف. لقد رأيتُ بأم عيني كيف تُعامل العقول المهاجرة بوصفها أصولاً وطنية تُحتضن، وتُدعم، وتُمنح المساحة الكافية للإبداع والابتكار، بل ويُستثمر فيها سياسيًا واقتصاديًا.

    الأرقام التي وردت في المقال حول تأسيس مئات الشركات المليارية على أيدي طلاب دوليين لم تفاجئني، فقد عايشتُ هذه النماذج، ودرست مع من صاروا لاحقًا قيادات في كبرى الشركات التقنية والطبية والبحثية. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على الرؤية الاقتصادية الحصيفة لتلك الدول تجاه التعليم الدولي، بوصفه قناة استراتيجية لا مجرد نشاط أكاديمي.

    أتمنى بكل صدق أن تجد دعوة الدكتور حسن صداها في الأوساط التعليمية والتنموية في وطننا العزيز، وأن تتحول “تجربة الطالب الدولي” إلى مشروع وطني تُبنى عليه سياسات جامعاتنا، وتُصاغ له استراتيجيات حقيقية تعزز من مكانة المملكة كوجهة تعليمية جاذبة ومؤثرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى