في عالم يتسارع فيه التحول الرقمي، وتتغير فيه أدوات الإعلام بوتيرة متسارعة، تأتي صحيفة مكة الإلكترونية الغراء بقيادة رئيس تحريرها المتألق والمبدع الأستاذ عبدالله الزهراني لتثبت أنها ليست فقط منصة إخبارية، بل مؤسسة إعلامية مواكبة للتقنية، متجذرة في رسالتها المجتمعية. ومن أبرز تجليات هذا التوجه، إطلاقها لقناة بودكاست نوعية بعنوان “مكة بودكاست – الرأي بصوت مسموع”، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، كخطوة جريئة ومبتكرة تعكس التزامها بالتجديد والإثراء الإعلامي. فلم يعد كافياً أن تقدم الصحف محتوى مكتوبًا، فالأبحاث تشير إلى أن 62% من مستخدمي الإنترنت في العالم يفضلون المحتوى الصوتي والمرئي على المقروء، وفقًا لتقرير Statista (2024). ومع انتشار تطبيقات البودكاست عالمياً، ووصول عدد المستمعين إلى أكثر من 500 مليون مستمع شهرياً بحسب تقرير Edison Research، بات لزامًا على المؤسسات الإعلامية أن تطور أدواتها.
الملفت في تجربة صحيفة مكة الإلكترونية هو الاعتماد الإيجابي والمنضبط على الذكاء الاصطناعي، ليس فقط لتسريع عملية الإنتاج، بل لضمان جودة المحتوى، وضبط الإخراج الصوتي، وتحليل تفاعل الجمهور. حيث استخدمت الصحيفة أدوات متقدمة في تحويل النصوص إلى صوت بشري طبيعي، وتحسين النصوص التحريرية صوتيًا باستخدام نماذج لغوية ذكية.
وبحسب دراسة صادرة عن MIT Technology Review (2023)، فإن المؤسسات الإعلامية التي استخدمت الذكاء الاصطناعي في إنتاج الصوتيات ارتفعت لديها نسب الاستماع بنسبة 42%، مع تقليص وقت الإعداد بنسبة 35%.
ما يُميز هذه المبادرة النوعية الرائعة هو أنها لا تُستخدم لمجرد إبهار تقني، بل في خدمة رؤية واضحة: تعزيز جودة الرأي، وتمكين الكتّاب من إيصال أفكارهم بصوت مسموع، إلى جمهور أوسع، وبطريقة عصرية. فهي امتداد لطرح صحيفة مكة الإعلامي الهادئ والعميق، وتكريس لمسؤوليتها المجتمعية.
فبرنامج “مكة بودكاست” لم يأتِ ليكون نسخة صوتية للمقالات فقط، بل كمساحة نقاشية مفتوحة للأفكار، وآراء الكُتّاب، وتحليل القضايا الوطنية والإنسانية من منظور راقٍ. فهو يدمج بين الرأي المهني والصوت الذكي في وقت يبحث فيه الجمهور عن محتوى نوعي غير صاخب. إن إطلاق هذا المشروع يُعدّ نموذجًا يحتذى به في الصحافة السعودية، التي دخلت فعليًا مرحلة التحول الرقمي المتكامل، عبر الذكاء الاصطناعي، الواقع المعزز، والبودكاست الذكي. وقد أظهر تقرير وزارة الإعلام السعودية لعام 2024 أن 32% من المؤسسات الإعلامية بدأت فعلياً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التحرير والإنتاج، وأن الصحف الإلكترونية هي الأكثر انخراطًا في هذا التحول.
ختاما، اقول بأن صحيفة مكة الإلكترونية، بإطلاقها قناة بودكاست مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تُؤسس لمرحلة جديدة من الإعلام السعودي الذكي، الذي لا ينسلخ عن قيمه وهويته، بل يعيد تقديمها بصيغ عصرية مؤثرة. إنها رسالة لكل المؤسسات الإعلامية أن التقنية ليست تهديدًا، بل فرصة… إذا أُحسن توظيفها لخدمة الحقيقة والمجتمع.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود






