المقالات

من حروف الدرس إلى ملامح الأثر… إشراقات الإبداع بين المناهج والأنشطة

لم يكن الإبداع يومًا غائبًا عن التعليم، بل ظلّ حاضرًا في ثناياه، كشعلةٍ تنتظر من يصقل وهجها ويحرّر نورها من غبار التكرار. فالمناهج ليست نصوصًا جامدة، ولا الأنشطة ظلًا عابرًا، بل كلاهما فضاءٌ حيّ، كلما أُحسن توجيههما، أشرق الأثر وتجدّد المعنى.

فالأنشطة ليست هامشًا ولا المناهج قوالب مغلقة، بل كلاهما مسرحٌ نابض، ينتظر من يعيد إخراجه بوعيٍ وإبداع، ويستخرج منه معانيَ كانت كامنة، لا غائبة. ففي نسيج التعليم خيطٌ من الإبداع يتوهّج كلّما لامسته يد المفكر، ونظرة المتأمل، وهمّة المعلم الملهم.

الإبداع ليس زائرًا جديدًا في عالم التعلم، بل هو روحه العميقة التي لا تُرى، لكنها تُحَسّ في ومضة فكرة، ونبضة حلم، ودفء إنجاز. حين يُغادر صمته، يمنح المناهج حياةً لا تُدرَّس، ويحوّل الأنشطة إلى ورشٍ تنبض بالرؤية، وتغرس القيم، وتبني المعنى.

في كلِّ منهجٍ حيٍّ نبضٌ ينتظر من يوقظه، وفي كل نشاطٍ أفقٌ يفتح نوافذه لمن تساءل وابتكر وتفاعل. هناك، حيث تتلاقى التجربة بالمعرفة، يولد التعليم الحقيقي: تعليمٌ يبهج الوعي، ويجسّد الحلم، ويليق بوطنٍ يرى في الفكر زاد نهضته، وفي الإبداع أعظم استثمار.

الأنشطة ليست ترفًا تربويًّا، بل البعد الحيوي للمناهج؛ الجسر الذي تنتقل عبره المعرفة من الورق إلى الوجدان، ومن الدرس إلى السلوك. حين تتداخل مع المناهج، تتجدّد القيم لا كعباراتٍ محفوظة، بل كأفعال تُمارَس في التعاون، والأمانة، والطموح، وفضول المعرفة.

وهكذا يتحرر التعلم من إطاره التقليدي، ويغدو نهرًا داخليًّا، ينساب في فكر الطالب، يغذّيه، ويرويه، ويمنحه القدرة على الفعل لا التلقي، والابتكار لا الحفظ.

وعلى امتداد الأفق، تتجلى ملامح وطنٍ آمن أن المستقبل يُصنع، لا يُنتظر. وطنٌ صاغ رؤيته بمنطق الإبداع، وأطلقها دعوة للعقول أن تبتكر لا أن تكرّر، وأن تبني لا أن تستهلك. في ظل هذه الرؤية، لا تعود الأنشطة مجرد برامج، بل تصبح منصاتٍ حيوية تصل الحلم بالإنجاز، والمواطنة بالفعل.

أما المتغيرات التعليمية، فليست عوائق بل فرص؛ من يملك شراع الإبداع، يعرف كيف يجعل من رياحها طريقًا نحو ضفافٍ أكثر إشراقًا. الفصل يتحول إلى فضاءٍ نابض، والنشاط يصبح تجربةً تُدرّس فيها الحياة وتُعاش بصدق.

هكذا يغدو الإبداع بوصلة التعليم، والنشاط لغته الحيّة، والقيم مناراته، والمناهج مهادًا تربويًّا تنمو فيه ملامح الغد.

هنا، حيث تتعانق المناهج والأنشطة، وتزهر القيم في فضاءات التعليم الحيّ، يولد الغد…
غدٌ لا تكتبه الصفحات، بل تصوغه العقول المبدعة، ويوقّعه الوطن بحبرٍ من نورٍ لا يخبو .

حمّاد بن حامد العُمري

المشرف التربوي بقسم النشاط الطلابي الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى