مع بداية العام الدراسي، تتجدد الحاجة إلى إعادة التفكير في غايات المدرسة وأدوارها، والنظر لها من زوايا أوسع ترتبط بتنشئة الإنسان وإعداده للحياة.
إن التفكير في غايات المدرسة وأدوارها يبدأ بطرح أسئلة جوهرية حول معنى التعلم، وأدوار المعلم والطالب في العملية التعليمية ومعنى النجاح!
الخطأ كمدخل للتعلم!
من الأسئلة التي قد تلهمنا في هذا السياق: ماذا لو اعتبرنا الأخطاء جزءًا أساسيًا من عملية التعلم؟
إن دمج الخطأ في رحلة التعلم يحرر الطالب من قيود الخوف، ويمنحه مساحة آمنة للتجريب، وتقبل الفشل والتعثر؛ وبذلك يتحول الخطأ إلى فرصة لاكتشاف بدائل جديدة، ويعزز مهارات التفكير الناقد، والتحليل و حل المشكلات.
وهنا أستحضر ماقالته لي إحدى المعلمات في لقاء جمعني بها حين سألتها: برأيك ما الذي تبحث عنه الطالبة في علاقتها بك كمعلمة ؟
أجابت: الأمان!
كلمة واحدة، لكنها تعني للطالب أكثر من مجرد غيابٍ للخوف؛ إنه الشعور بوجود مساحة ليكونَ ذاته دون تكلّف، أن يُخطئ دون أن يُعاقب، أو يُلام، أن يُجرّب دون أن يُقاطع، وأن يجد في معلمه سندًا يطمئنه بأن قيمته لا تُختزل في درجات!
حرية المعلم وإبداعه!
جاءت نتائج العديد من الدراسات، والتقارير الدولية أن العملية التعليمية داخل الصف هي المؤثر الأول في نواتج التعلم!
وهنا نتساءل لماذا تُفرض أساليب تدريس نمطية على المعلم؟
على سبيل المثال: لماذا يطالب جميع المعلمين بدمج التقنية في جميع الدروس؟
أليس من الأجدى تشجيع المعلمين على استكشاف مواطن القوة لديهم، وتطوير طرائقهم الخاصة في التدريس! إن منح مساحة من الحرية المهنية للمعلم يسهم في تنويع البيئات الصفية، وإثراء تجربة التعلم، وإيجاد معادلة أكثر إيجابية وعدالة بين الطالب ومعلمه!
جودة العلاقات وإثارة الدافعية للتعلم!
من تجاربنا السابقة ونحن على مقاعد الدراسة، و ملاحظتنا لأبناءنا نعي تمامًا أن لجودة العلاقة بين المعلم والطالب تأثير لايمكن إعفاله في إثارة دافعية المتعلمين نحو التعلم!
ومن هنا يثار تساؤل آخر: ماذا لو كان تحفيز المعلمين وجزء من تقييم أدائهم يوجه نحو مهارتهم وقدرتهم على بناء علاقات إيجابية مع طلابهم، وإشعال شغفهم نحو التعلم!
إعادة تعريف النجاح!
من المعلوم ارتباط نجاح الطلاب بالتحصيل الدراسي في المواد الدراسية، ومع اتفاقنا على أهمية التحصيل الدراسي، إلا إن التغيرات المتسارعة في عالم اليوم تفرض توسيع دائرة النجاح لتشمل الفضول العلمي، والقدرة على التكيف، الذكاء العاطفي والاجتماعي، ومهارات التفكير الناقد. إن هذا الفهم الجديد يجعل من المدرسة فضاءً لبناء الإنسان المتكامل، لا مجرد محطات للعبور من مرحلة لأخرى!
المدرسة التي تُحدث الفرق!
إن هذه التساؤلات لا تدعو للمثالية المستحيلة؛ إنها دعوة لإعادة النظر في الممارسات اليومية داخل المدرسة. فالمدير والمعلم والطالب وولي أمره شركاء في إيجاد بيئة تعليمية جاذبة، قائمة على الفضول، وإثارة الدهشة، وإتاحة التجربة، ومنح الفرصة مصحوبة بالدعم، والأمان!
ومع كل عام دراسي جديد، يتكرر السؤال الأهم: كيف نجعل المدرسة أكثر قربًا من حياة طلابها، وأكثر قدرة على إعدادهم لمستقبل معقد ومتغير، وأكثر استيعابًا لآمالهم وطموحاتهم؟
متى تنتهي مشقة السفر عبر الزمن عندما يدخل الطلاب المدرسة كل صباح؟
كيف نجعل ابتسامة الطلاب عند بدء اليوم الدراسي أكثر إشراقًا من ابتسامتهم عند الخروج من المدرسة؟
• باحثة دكتوراه/ جامعة أم القرى.


