المقالات

الحكمة

أستاذ القانون بالجامعة السعودية الإلكترونية بجدة

في سوق العقول، تُعرض الحكمة بأثمانٍ مختلفة؛ هناك من يبيعها بجملة مسروقة من كتاب، وهناك من يمنحها مجانًا لأنها خرجت من قلبٍ صادق، وهناك من يزايد بها كما يزايد التاجر بالسلعة الفاخرة، فإذا فتحتها اكتشفت أن داخلها فراغ.

الحكمة، يا سادة، ليست قافية منمقة، ولا حكمة اليوم في التقويم، ولا نصًا مزخرفًا على فنجان قهوة. الحكمة امتحان… من لم يجتز أسئلة المواقف، فلن تنفعه إجابة محفوظة.

كم من “حكيم” عندنا كان يصف نفسه بالرصانة، فإذا غضب، طارت منه الرصانة، وبقي الغضب يرفرف كراية حرب!
وكم من متفلسف يوزع المواعظ على الناس في النهار، ثم يسهر في الليل ليهدمها بلسانٍ أَحدّ من حد السيف!

المضحك أن بعضهم يعتقد أن الحكمة أن تتكلم ببطء شديد، وكأن الكلمات تحتاج إذن مرور من الجمارك. وآخرون يرونها في الصمت التام، حتى يظن الجالسون أنهم أهل تدبر، بينما هم في الحقيقة يبحثون في عقولهم عن أي جملة تخرج بسلام.

الحكمة الحقيقية لا تتبدل بتبدل المزاج، ولا تتلون بلون المجلس. هي أن تبقى صادقًا في الهدوء والصخب، ثابتًا في الغضب والرضا، شامخًا أمام المديح والذم.

أما الذين يضعون الحكمة في جيوبهم مثل منديل مناسبات، فلا عجب أن تتسخ بأول استخدام.

فاحذروا يا سادة… فبعض ما تسمعونه من “حكم” ليس إلا بقايا أقوال قديمة، غُسلت بماء المجاملة، ثم عُرضت في مزاد العقول.

د. سلطان بن مرزوق الحربي

أستاذ القانون – الجامعة السعودية بجدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى