علاقة طريق سواحل مكة بالهجرة النبوية

جرت عادة العرب إطلاق كلمة السواحل على ثغور الأمصار، أو على الثغور البحرية القريبة من المدن الكبرى. ومن ذلك قولهم إن سواحل حمص هي: طرطوس وبانياس واللاذقية، وسواحل دمشق هي: طرابلس وجبيل وبيروت وصيدا، وسواحل الأردن هي: صور وعكا، وسواحل فلسطين هي: قيسارية ويافا وعسقلان وغزة، وسواحل مصر هي: رفح والفرما والعريش.

وأما إذا انتقلنا إلى قبلة المسلمين مكة المكرمة، فإن من سواحلها: جدة والشعيبة.

وفي أخبار الهجرة النبوية عند البخاري، ورد الحديث عن طريق السواحل الذي سلكه رسول الله ﷺ، حيث قال:
«وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا – وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ – قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ؛ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ ‌طَرِيقَ ‌السَّوَاحِلِ».

وهذه الرواية الصحيحة التي ذكرها البخاري تثبت أن ركب الهجرة الميمون قد توجه من غار ثور صبيحة اليوم الثالث إلى طريق السواحل لأسباب أمنية، أي اتجه غربًا نحو سواحل مكة، أي إلى الثغور البحرية لمكة، وهي جدة والشعيبة. ومن هناك اتجه الركب شمالًا جاعلًا ثغر جدة على يساره، ثم مرّ بغرب عسفان كما أوضحته الروايات الصحيحة، ولم يسلك طريق مرّ الظهران (وادي فاطمة) – عسفان، وهو ما ذهب إليه بعض الباحثين في مشروع (على خطاه).

وذلك لأن طريق مرّ الظهران – عسفان هو الحديقة الخلفية لقريش، فكيف يسلكه ركب الهجرة الميمون ضاربًا عرض الحائط بجميع الاحترازات الأمنية!

وبالمناسبة، فإن مفردة السواحل لا تزال تُستخدم إلى الآن في الأدبيات، وفي مجال الأعمال التجارية من خلال أسماء الشركات والمؤسسات في المنطقة.

ولعلي من هذا المنبر الثقافي أتوجه إلى الإخوة في مشروع (على خطاه) بتدارك الأخطاء التاريخية التي وقعت في تحديد مسار المرحلة الأولى من طريق الهجرة، والممتد من غار ثور إلى عسفان، وهو ما سبق أن بينته في هذا المنبر في مقال: مسار هجرة الرسول ﷺ من غار ثور إلى عسفان.

• رئيس قسم التاريخ بجامعة أم القرى سابقًا