المقالات

عزنا بطبعنا” قراءة في شعار اليوم الوطني السعودي

منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية اختيار شعارات سنوية لليوم الوطني، بدا واضحًا أن هذه الشعارات لا تصاغ في عبارات احتفالية واحتفائية فقط، بل بوصفها مفاتيح تأمل في الهوية، ورسائل موجهة إلى كل جيل. فمن “همة حتى القمة” للتأكيد على الإرادة، إلى” هي لنا دار” وتأسيس شعور الانتماء، ثم” نحلم ونحقق” حيث بدا الحلم وتطبيقه مشروعًا جماعيًا، ليأتي شعار هذا العام” عزنا بطبعنا” ليكمل هذه المنظومة، وبخصوصية لافتة؛ حين لا يذهب إلى الخارج (القمة، الدار، الوطن)، أو (الحلم، ثم الواقع)، بل إلى أعمق نقطة في الداخل(الطبع) ليس فقط ما ورثناه، بل ما اخترنا أن نكون عليه أيضًا، وما نقرر أن نحمله معنا في كل مرحلة انتقالية قادمة، وليطرح سؤالًا مهمًا: ما الطبع السعودي؟ وكيف بقي مصدرًا للعز في عالم سريع التحول؟

وإذا كان كل شعار سابق قد رجح معنى من معاني الهوية؛ فإن هذا الشعار” عزنا بطبعنا” يذهب إلى النبض الأخلاقي الأعمق ليقول: كل ما تحقق -من رؤى ومنجزات، وصدارة عالمية- ما كان سيكون دون طباعنا الأصيلة. ولم يكن عزنا إلا منظومة قيمية وثقافية متجذرة في الوعي السعودي الجماعي، ولم يكن الطبع تفضيلًا عابرًا، بل لبنة رئيسة في بناء العزة، كما لم تكن العزة ترفًا، بل ضرورة للبقاء، ووسيلة لحماية الذات والمجتمع.

ويحيل الطبع لغويًا إلى دلالات النقش والختم(الثابتة) والتشكيل الفطري، فالطبع هو ما طُبع في النفس دون تكلف وتصنع. والطبع في الثقافة السعودية ليس سلوكًا فرديًا، بل هو انعكاس جماعي لهوية تتوارثها الأجيال السعودية، وبوصلة تحدد اتجاه الرؤية السعودية المباركة؛ فإن كانت السجايا الحميدة من كرم، ونخوة، ووفاء، وصدق، وولاء تقاس بالمواقف، فإنها اليوم تُترجم في رؤية وطنية بلغة المستقبل، وتنتقل من بيئات تقليدية إلى فضاءات مفتوحة في كل من: الواقع، والعلم، والأدب، والفن، والدراما، وغيرها.

وحين تقول رؤية 2030 “طموحنا أن نبني وطنًا مزدهرًا” فإنها تذهب إلى الاعتزاز بالجذور أيضًا؛ فالعزة الوطنية لا تبنى بالموارد فقط، بل بالأخلاق والقيم الراسخة، أي بطبع السعودي نفسه. ولعل هذا التمثل للطبع في الرؤية قد أخرجه من قيم المجتمع السعودي إلى برامج ومبادرات تنفيذية، منها: خدمة ضيوف الرحمن، والاستثمار في التراث، وتمكين الشباب والمرأة، والإسكان التنموي، والاعتزاز بالهوية في مشاريع ثقافية كبرى في موسم الرياض، أو يوم التأسيس، واليوم الوطني، وبوابة الدرعية، وغيرها، وهكذا لم تضع الرؤية(الطبع) في ذاكرة الهوية، بل أخرجته إلى الشارع، والمنصة، والمؤسسة، وجعلت من (الطبع السعودي) أساسًا لعزة جديدة؛ عزة تبني، وتُصدّر، وتؤثر، وتتحاور مع العالم بثقة.

ولعل أجمل ما في شعار” عزنا بطبعنا” أنه يعكس هذه الرؤية العميقة؛ فالعز ليس واردًا من الخارج، بل ينهض من الداخل، والطبع ليس قيدًا تقليديًا، بل طاقة فطرية توجه سلوك الفرد والمجتمع نحو ما يخدم الوطن.

وختامًا، “عزنا بطبعنا” هو مرآة لهويتنا العميقة، وبيان صريح بأن كل ما ننجزه ونبنيه اليوم، إنما ينبع أولًا من طباع أصيلة تشكلت في التاريخ، وتهذبت بالتربية، وتحولت في ضوء رؤية 2030 إلى قوة وطنية فاعلة. و”الطبع السعودي” ليس حالة فردية ولا طارئة، بل هو بنية ثقافية، وموقف أخلاقي، وأداة بناء، ويبقى “العز” حاضرًا في السلوك قبل الشعارات، وفي المواقف قبل الكلمات، وبه نعبر إلى الغد، ونورثه للأجيال القادمة. كما أن الوطن لا يختزل في الأرض، بل يقيم فينا، والعز لا يمنح، بل هو جزء أصيل من صدق الطباع، وثبات المبادئ، وشهامة المواقف.

فيا وطنًا يسكننا، ابقَ عزيزًا بطبعك، عاليًا بأهلك، خالدًا في ذاكرة المجد.

• جامعة الملك سعود

أ.د. حصة بنت زيد المفرّح

جامعة الملك سعود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى