وطني، إليك أكتب في عيدك الخامس بعد التسعين، أنتمي إليكَ كالموجِ إلى عطشِ الرمال، وكالريحِ التي لا تهدأ إلاّ بين شقوقِ الجبال.
فيك تجدُ روحي غايتُها، ومهما تفرّقت في زحمةِ المسافات تبقى بُغيتها وجهك. وطنُ القلبِ والذاكرة، أنتمي إليك كما تنتمي النجومُ إلى السماء، إن غابت واحدة، ولدت وأشرقت أُخرى..!
دعني وقلمي لأكون صدىً لنبضِك، وقطعةً من صمتك الذي لا يُكسر، وأبوح إليك بوحَ الروحِ للروح.
وطني الحبيب، نبضي الذي يسري في عروقي كصوتِ الرياح في ليلةٍ خرساء، سعادتي بك لا توصف، وفي يومك الوطني أجد نفسي أغتسل من كل شكٍّ في ولائي، وأزداد يقيناً بحبّي لك.
لا أدرك كيف أتهيأ لفرحك العظيم، لكنني أحتفل بك بما في قلبي من شوق، وأعيد ترميم مواسم البهجة، وترتيب فصول السنة حين تصدح الطيور فرحاً في سمائك.
أنت لستَ خارطةً وحدوداً أُحدّق بها على ورقٍ أصفر، ولا تاريخاً جامداً يُسجَّل في بطونِ السجلات.
أنت قلبٌ نابض في عمق الكون، وجذرٌ ضاربٌ في التاريخ، وجذرٌ راسخٌ في القلب، وبصمة في دمي..!
أتنفسك حين يُولدُ الفجر، وأستظلُّ بك حين يمزّق نورك سواد الليل. فأراك وطناً يشرق في روحي قبل أن يشرق في الأفق، معلناً للعالم كله موعداً جديداً، تتجه إليه اقطاب البوصلة، وتهوي إليه القلوب قبل أن تلمس جباهها أرضاً سواك.
أسمعك حين تهمس الجبال بحكايات الصخور، كأنها تعيد سرد تاريخٍ لا يزول.
أشتمك في ثرى الأرض حين تفوح رائحة المطر وتسبق عبق الزرع والحصاد، فينبت في داخلي يقين الانتماء.
أغرس في ترابك نخيل الولاء، وأزرع على جبينك زهور المحبة، وأُلقي في بحارك مراكب طموحي، لتبحر نحو آفاق الأحلام المتحققة.
يا وطن الخير والأمن، يا سحابة الغيم وغبار الصحارى، يا ضباب الجبال وبحار الآمال، أنت حلمي الذي لا يشيخ، وكياني الذي لا يهرم ولا يبيد.
كلما غفوت بين أجنحة الذكريات، أعيد تشكيلك في داخلي، فأصحو لأراك حاضراً في نبضي، ثابتاً في وجداني، خالداً في مسيرة عزٍّ صنعته بطبعك الأصيل.
أنتمي إليك كما ينتمي الطائر إلى سمائه في سربٍ لا يعرف التشتت، وكما ينحني النهر ليعانق ضفتيك فلا يعرف الانفصال.
فيك أيقنت أن الأرض لا تُباع ولا تُشترى، ولا تُعار ولا تُستعار، وأن حبك ليس لوناً ولا علماً، بل هو انحناء يليق بعظمتك، وسموٌّ يليق بمقامك، وشموخٌ لا يزول.
ذلك الحب الذي يتجلى في وحدةٍ وإرادة، في شعبٍ وقيادة، في أحلامٍ تُروى وإلهامٍ يُثمر، في تمجيدٍ وسؤددٍ يتصاعد مع كل خطوة نخطوها بين الأمم لنرتقي أعالي القمم.
يا وطن الحنين الملتف حولي كثوبٍ من شعاع الفجر، كلما أبعدتني غربتي، ازداد قلبي قرباً واشتياقاً.
وكلما نادى الأشهاد باسمك، ترددت الأصداء في داخلي ألحاناً لا تنتهي:
وطني الحبيب …. وهل أُحب سواك ؟






