الحمد لله القائل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد: 41].
قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها.
والصلاة والسلام على إمام العلماء والمتقين القائل: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهالًا، فسُئِلوا فأفتَوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» (متفق عليه).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري: “فدل هذا على أن ذهاب العلم يكون بذهاب العلماء”.
وفي يوم الثلاثاء 1/4/1447هـ الموافق 23/9/2025م، انتقل إلى ربه الكريم سليل العلم والمجد، والدوحة المباركة في الخير والفضل: سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب آل الشيخ – رحمه الله –.
وقد تشرفت – كغيري من طلاب العلم – بحضور بعض دروس شيخنا في الجامع الكبير بالرياض، وبالصلاة خلفه في ليالي رمضان، إضافة إلى زيارته في مكتبه في الإفتاء والاستفادة من علمه.
لقد كان بحقّ العالِم التقي النقي الذي يُقتدى به، حسن الصوت بالقرآن، مسترسِلًا في قراءته غير متكلف، وكذلك في وعظه وخطبه وصلاته على الفطرة السوية والسنة القويمة. وكان – رحمه الله – على أصول ومعتقد أهل السنة والجماعة في جميع الأبواب، وخاصة في باب السمع والطاعة، الذي زلّت فيه طوائف وجماعات، بينما امتثل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].
وإن تصوير بعض طلاب العلم لوجوب الانفصال والتقاطع والتهاجر بين العالم وولي الأمر خطأ في الشرع والعقل والواقع؛ فقد جرى عمل علماء الإسلام وفقهائه وقضاته على معاضدة ولاة الأمر في القضاء والإفتاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة والوقف والخطابة والإمامة، ودخلوا عليهم لمعاونتهم على الخير ونصحهم. فكم قضى الله بهم من مصالح، وحقق بمخالطتهم لولاة الأمر من المنافع ما فيه صلاح البلاد والعباد.
قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
وقد ألّف بعض العلماء في هذا الباب، منهم علامة اليمن القاضي محمد بن علي الشوكاني – رحمه الله – في كتابه رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين، حيث بيّن ما في الاتصال بأولي الأمر من مصالح، وقد كتب ذلك من واقع عايشه وعمل به، فكان فيه نفع كبير.
وعودًا على بدء:
كان الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ – رحمه الله – ذا دور بارز في نشر العلم الشرعي وخدمته عبر دروس المساجد، والمحاضرات، وخطب الجمعة، والمناقشات الأكاديمية، والندوات والمؤتمرات. عاش داعيًا إلى وحدة المسلمين وتآلفهم ونبذ الفرقة، وسخّر منبره وعمره لقضايا الأمة، وأعظمها الدعوة إلى توحيد الله وعبادته.
ومع ذلك، لم يكن هو وإخوانه من هيئة كبار العلماء بمعزل عن قضايا الأمة وأحداثها؛ فأصدروا أحكامًا شرعية وبيانات في قضايا فلسطين والأقصى، والإرهاب وخطر الإخلال بالأمن، والمخدرات، ونوازل المال والاقتصاد والاجتماع.
ومن أعظم ما يميز شخصيته – رحمه الله – حبه للمسلمين وحرصه على نفعهم؛ فقد حج عن خمسة من كبار العلماء: الإمام النووي، وابن حزم، وابن عبدالبر، وابن تيمية، وغيرهم، على اختلاف مذاهبهم. وهو دليل على سعة أفقه، وما تتميز به بلاد الحرمين وعلماؤها من التنوع الفقهي وقبول الاجتهادات.
وكعادة قادة هذه البلاد – حفظهم الله – في تكريم علمائها، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – بالصلاة عليه صلاة الغائب في الحرمين الشريفين وسائر مساجد المملكة. وحضر الصلاة عليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء – وجمع من العلماء والأمراء وطلاب العلم بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض.
رحم الله الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وغفر له، وأخلف على أمة الإسلام فيه خيرًا.
• أستاذ الفقه المقارن بجامعة تبوك – كلية الشريعة والقانون






