لطالما آمنت، وعلى مدى سنوات طويلة، بالدور المحوري للمرأة السعودية في بناء مجتمعها. هذا الإيمان لم يكن فكرة عابرة، بل قناعة راسخة تعمّقت في داخلي، خاصة أنني أبٌ لخمس بنات، كلهن يحملن شهادات عليا دكتوراه وماجستير في تخصصات متنوعة. ورغم أن الظروف المادية حالت دون إكمال إحداهن دراسة الدكتوراه، فإن طموحهن لم يتوقف، وهو ما جعلني أنظر إلى كل امرأة سعودية طموحة وكأنها ابنة لي، أرجو لها أن تحقق ما تصبو إليه.
واليوم، حين أتأمل مسيرة الدكتورة حياة سندي، أشعر أن هذا الحلم الذي طالما حملته قد تجسد في شخصها. فهي لم تكتفِ بأن تكسر القيود الاجتماعية والثقافية التي كبّلت المرأة لعقود، بل صنعت نموذجًا عالميًا مضيئًا يبرهن أن المرأة السعودية قادرة على المنافسة والابتكار والريادة في أصعب ميادين العلم.
من مكة إلى كامبريدج: رحلة علمية ملهمة
ولدت حياة سليمان سندي في مكة المكرمة ، ونشأت في بيئة تقليدية لم تكن المرأة فيها تجد فرصًا واسعة للتعليم العالي، ناهيك عن العلوم الدقيقة. غير أن عزيمتها قادتها إلى كلية كينغز بلندن، ثم إلى جامعة كامبريدج حيث حصلت عام 2001 على درجة الدكتوراه في التقنية الحيوية، لتكون من أوائل السعوديات اللواتي يبلغن هذا المقام العلمي الرفيع.
لم تتوقف مسيرتها عند الدكتوراه، بل واصلت أبحاثها ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد، حيث شاركت في تأسيس مشروع Diagnostics for All، وهو ابتكار يهدف إلى تطوير أدوات تشخيص طبية منخفضة التكلفة تعمل بالورق ولا تحتاج إلى كهرباء أو مختبرات متقدمة، ما يفتح باب الأمل أمام ملايين البشر في المناطق الفقيرة.
الابتكار من أجل الإنسانية
لم يكن البحث العلمي بالنسبة لسندي غاية شخصية، بل رسالة إنسانية. فهي صاحبة براءات اختراع في أجهزة تستعين بالضوء والموجات الصوتية للكشف المبكر عن الأمراض، كما أسست معهد “i2” للخيال والإبداع لدعم المبتكرين في السعودية والعالم العربي.
هذا المزج بين العلم وخدمة الإنسان جعلها تحظى بتكريمات رفيعة:
• 2010: جائزة مكة للتميّز العلمي.
• 2012: أول سفيرة للنوايا الحسنة للعلوم لدى اليونسكو.
• 2012: اختيارها ضمن قائمة نيوزويك لأكثر 150 امرأة تأثيرًا في العالم.
• 2013: تعيينها ضمن أول دفعة نسائية لعضوية مجلس الشورى السعودي.
• كما منحتها ناشيونال جيوغرافيك لقب “المستكشفة الصاعدة”، وصنّفتها أريبيان بيزنس بين أقوى النساء العربيات.
وفي عام 2025، أعلن معهد Business Excellence Institute في دبلن عن إدراجها في Excellence Hall of Fame تقديرًا لمساهمتها في العلوم والابتكار وريادة الأعمال الاجتماعية.
ما بين الإنجاز والتحدي
إن ما يميز حياة سندي ليس قائمة الجوائز وحدها، بل إصرارها على أن تكون رسالتها مرتبطة بالمجتمع. فهي لم تتردد في الحديث عن التحديات التي واجهتها كامرأة سعودية في بيئة أكاديمية غربية صارمة، وكيف كان عليها أن تثبت قدرتها ليس فقط كطالبة علم، بل كسفيرة غير رسمية لبلادها وثقافتها.
وقد استطاعت، عبر ذلك كله، أن تتحول من طالبة طموحة إلى عالمة ملهمة، ثم إلى قيادية تشارك في صياغة السياسات العلمية والتنموية على المستوى المحلي والدولي.
خاتمة: ليست استثناءً بل بداية مسار
بإنجازاتها، ترفع د. حياة سندي راية كل امرأة سعودية طموحة. فهي ليست استثناءً في مجتمعنا، وإنما دليل ساطع على ما يمكن أن تصل إليه المرأة حين تُمنح الفرصة ويُكسر الحاجز.
لقد كتبتُ في صحيفة إيلاف عام 2009 أن “المرأة السعودية لن يطول بها الزمن حتى تشغل حقيبة وزارية”، وهو ما تحقق اليوم مع انخراط النساء في مناصب تنفيذية عليا. أما حياة سندي، فهي تجسيد حي لتلك النبوءة المبكرة، ورسالة أمل لكل أب لديه بنات، ولكل فتاة تحلم بأن تضع بصمتها في عالمها.
في ظل رؤية 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أصبحت المرأة شريكًا أساسيًا في بناء المستقبل. فلنعمل معًا لدعم كل فتاة سعودية تحلم بترك بصمتها، لتكتب فصلًا جديدًا من قصة الوطن.



