المقالات

ليلة السادن الباذخة

كانت الباحة الليلة على موعدٍ مع المجد، تتوشح جبالها بالضياء وتفتح صدرها لليلٍ استثنائي حمل اسماً بحجم الشعر ذاته ليلة السادن الباذخة؛ليلة تكريم البروفيسور عبد الواحد الزهراني، شاعر العرضة الذي عبر بالكلمة من أودية الجنوب إلى فضاءات العالم. لم يكن الاحتفاء به مجرد مناسبةٍ، بل كان كرنفالاً نوعياً اجتمع فيه الفن بالفكر، والعرفان بالجمال، حتى بدا المشهد أقرب إلى سيمفونية ضوءٍ كتبتها القلوب قبل أن تعزفها الألسن.

أبدعت لجنة التنظيم بأشراف الشيخ عبد العزيز بن رقوش ومتابعة الزميل علي المقبلي وبقية اعضاء اللجنة المبدعين الذين ابدعوا في رسم ملامح ليلةٍ ستُروى طويلاً. كانت أفكارهم من خارج الصندوق، عانق فيها الإبداع النظام، والاحتراف العفوية، والهيبة الجمال. فكل تفصيلٍ في المكان كان يحكي روحاً سامية تستحضر سيرة شاعرٍ لا يشبه غيره. إنهم بحق فرسان الحفل بلا منازع، جمعوا بين الانضباط والدهشة، وبين دقة الإدارة وعبق الشعر.وحفارة الاستقبال

ولم يكن النجاح وليد اللحظة، بل سبقته عاصفة إعلامية أنيقة، غير مسبوقة صنعتها وسائل الإعلام ومنصات التواصل التي احتفت بالمناسبة أياماً قبل حلولها. بدا الأمر وكأن الوطن كله يتهيأ لتكريم رجلٍ أصبح جزءاً من ذاكرته الشعرية والاجتماعية.

أما المشهد الأجمل، فكان في ذلك السيل البشري من الوفود الذين جاؤوا من كل مناطق المملكة، يحملون في وجوههم ملامح المحبة والوفاء. لم يأتوا بدعوةٍ رسمية، بل بدافع القلب الذي يعرف طريقه حين يكون المكرَّم عبد الواحد الزهراني.

ثم حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ تحول الحفل إلى مضمار للمبادرات وأعمال الخير؛ فحين أعلن المحتفى به عن تأسيس جمعية “صلة برّ” للأعمال الخيرية والإنسانية، افتتح باب التبرع بنفسه بمبلغ خمسمائة ألف ريال، لتكون اللبنة الأولى في مشروعٍ يربط اسمه بالعطاء الإنساني الأبقى. وما هي إلا لحظات حتى تجاوب رجال الأعمال والحضور، لتتوالى التبرعات وتبلغ خلال الحفل أكثر من ستة ملايين ريال دعماً للجمعية ومشروعاتها القادمة. كانت تلك اللحظة تجسيداً حياً لروح التلاحم، إذ تجاوز التكريم حدود الشعر إلى رحاب الخير، وتحولت المناسبة إلى مهرجان للقيم والإنسانية.

لقد كانت ليلة السادن الباذخة برعاية الشيخ فيصل الخاتم أكثر من تكريم كانت مرآةً لوطنٍ يحتفي بأبنائه الكبار، وشهادةً أن العظمة لا تُقاس بما يأخذ الإنسان، بل بما يمنح. في هذه الليلة، بدا عبد الواحد كالنجم الذي أضاء واحتجب في آنٍ واحد، تاركاً خلفه نوراً لا ينطفئ، وذاكرةً تُروى للأجيال، كلما أرادوا أن يعرفوا كيف يُحتفى بالعظماء.

محمد علي الزهراني

رئيس تحرير جريدة المدينة الأسبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى