المقالات

عبدالواحد ..غيمة الشعر سيرة العطر

إنه الفنان الذي ينحت اللغة بحرفية وإتقان ليحيلها قطع موسيقية متفرّدة ،
والفنّان هنا بصفته الكائن الذي يخلق الدهشة بصوته الأخّاذ، وقصائده الفاتنة ، والتي تخاتل الغيم مطراً ناعماً ، و تداعب الروح بجراحها الراعفة.
عرفتهُ صوتاً جنوبياً يصهل كصهيل حصان الثبيتي* العصي الذي فوق غرتهِ ( توزّع الشمسُ أضواءَ الصباحاتِ)* ، وذلك من خلال مقاعد الدراسة التي لملمت شتات أحلامنا الغضة والمتناثرة بين شعاب القُرى الغارقة في أناشيد الفلاحين وبين أضواء المدينة التي تضجُّ بصخب الحياة اليومية.
كان ذلك مطلع التسعينات الميلادية في كلية إعداد المعلمين بالطائف ، حيث جمعنا وقتذاك تخصصٌ واحدٌ وكثيرٌ من الاهتمامات الأخرى فيما بعد.
حينذاك جاء عبدالواحد من بين حقول الشعر وبيادر القصيدة وهو اسماً لامعاً في ميدان العرضة ونجماً ساطعاً في مجالس القبيلة ، على اعتبار أن الفن الشفاهي لدى قبائل الجنوب عامةً هو الأكثر قبولاً ، والأوفر انتشاراً والأغزر حضوراً ، بينما كنتُ وقتها أتهجّى عتبات النشر في الصحف المحلية والمجلات الخليجية لقصائدٍ خجلى ومقالاتٍ ثكلى!
أتذكر – ولعل صديقي البهي يتذكر- بعض المحاضرات التي جمعتنا في تخصص (الرياضيات) قبل أن أنحرف باتجاه الطريق “المنسدلة” نحو (اللغة العربية) بتشظياتها ومكابداتها اللذيذة ، حيث كتب عبدالواحد قصيدة عمودية غزلية بخطّه الجميل ثم مرّرها إلى طاولتي ربما لأرد عليها حينها ، فيما أستاذ (اللوغاريتمات) يحلّل الحياة البسيطة بنظريات (فيتاغورس) المعقّدة !
في مطلع تسعينات القرن الماضي تلقيت دعوة لإقامة أول أمسية شعرية في بيت الشباب بمدينة الملك فهد الرياضية بالطائف وكان الشاعر الفخم عبدالواحد أهم المدعويين معي ، شعرتُ بالزهو وأنا الذي سيجلس بجوار هذا الشاعر الألق ، نتقاسم مائدة الشعر وتفاح الغناء رغم البون الشاسع بين تجربتي المتواضعة ومسيرته الباذخة ، ولكنه اعتذر وبقي كرسيه فارغاً إلا من الحنين لمواسم حصادٍ مثمر ، وطريقٍ مقمر.
فيما بعد جمعتنا لقاءات اجتماعية وثقافية وإنسانية ، فكان ومازال ذاك الرجل الأصيل النبيل ، بشوش المحيا ، دمث الأخلاق ، كريم العطايا ، نقي النوايا، سخي الهدايا ، والهدايا هنا ليست بالضرروة تكون مادية بقدر ماهي معنوية وتقديرية.
من الناحية الشعرية – وأنا هنا أقدم رأياً انطباعياً لانقدياً بصفتي ممارساً لهذا الفن – يمتاز بسلاسة اللغة المحكية و بساطة الأسلوب الشعري مع عمق المعنى في نصوصه أثناء كتابة النص الشعري العمودي ، التي تنساب كشلال ضوء.
وحين تحتدم السيوف طرباً ، وتشتعل الصفوف فرحاً ، في مسرحٍ جماعي مهيب ، ويبدأ زير العرضة يدق طبول ( الحب) ، يتجلى الشاعر الألق عبدالواحد شعراً باذخاً مرحباً بالضيوف ومتباهياً بأمجاد القبيلة العريقة .
يوقدُ صوت الزير الحماسي نار الليل في مواقد الروح ، تتقافز الأجساد داخل هذا المسرح فرحاً و غبطة ، فيما تبقى الجموع الأخرى تشكّل طوقاً بتموجاتٍ دائرية بإبقاعٍ آسر.
يقارع عبدالواحد كبار الشعراء بكل أدبٍ وإثارة ، بعد أن تشرّب هذه الموهبة الفذّة من والده رحمه الله الشاعر سعود بن سحبان ، حيث أن مثل هذه المحافل لا تخلو من التشابك بالقصائد ، والتعارك بالشعر القبلي البسيط.
إن الحديث عن الشاعر والأكاديمي والإنسان عبدالواحد سعود الزهراني يطول ويصول ويجول ، فقد استطاع أبو متعب أن يؤلّف بين قلوب الناس المحبين لفن العرضة من داخل القبيلة وخارجها ، وأن يجمع بين العلم والمعرفة والموهبة والأخلاق..ويكفي.
____________________________
(*)الشاعر الكبير محمد الثبيتي في قصيدته صفحة من أورق بدوي

تعليق واحد

  1. احسنت استاذي الأديب خالد على هذا الإطراء لقامة شعرية كبيرة عاشت معنا منذ الصغر بتألق وجداني باذخ فجميعنا احببنا عبدالواحد الانسان والشاعر المتميز ذا الكريزما المحبوبة والقريبة من القلوب بنيته الصافية وابتسامته اللطيفة المتواضعة والمليئة حباً وتقديراً لكل من عرف ومن لم يعرف .. كعادتك استاذ خالد متألق بالحرف والمعنى سلم بنانك وصح لسانك اخي المتميز روعتةً و تألقاً …🌹🌾🍃

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى