المقالات

حديث رجل في منتصف الأربعين

‏أنا رجل انتصفت الأربعين من عمري، وأشعر أنني للمرة الأولى أرى الزمان وهو يتوقف.

‏في الأربعين، يتغير معنى الزمن. لا تعود السنوات تُقاس بما حققته، بل بما فهمته. الفهم يصبح ثروتك الوحيدة، والسكينة أعظم امتياز تناله. تدرك أن السعادة ليست حدثا، بل لحظة انسجام بين ما تفكر فيه وما تشعر به وما تفعله.

‏تعلمت من تجاربي أن الحرية ليست أن تفعل كل ما تريد، بل أن تعرف لماذا تريد ما تريده.

‏أن تكون قراراتك ابنة وعيك لا ردود أفعالك.

‏الحرية أن تتوقف عن العيش وفق توقعات الآخرين، وأن تكتشف أي صوت فيك هو صوتك حقا، لا صدى أحد آخر.

‏أما العلاقات، فتصبح أكثر صفاء كلما نضجت… في البدايات كنا نبحث عمن يُكملنا، أما الآن فنبحث عمن يفهمنا دون أن يُعيد تشكيلنا.

‏تتغير النظرة إلى الحب: لم يعد وعدا بالخلود، بل مساحة من الطمأنينة تسمح لكل منكما أن يكون ذاته دون خوف.

‏في هذا العمر، يبدأ الإنسان في ملاحظة التفاصيل التي كانت تمر بلا معنى.

‏رائحة الصباح الأولى، ضوء الشمس على الكف، جملة تُقال صدفة فتهزك. يصبح الجمال أكثر هدوءا، والحكمة أكثر بساطة، والخسارة أقل فوضى.

‏أدركت أن الحياة ليست ما نمسك به، بل ما نتخلى عنه في الوقت المناسب.

‏أحيانا يكون النضج في أن تترك شيئا كنت تتعلق به، لأنك تعلم أنه لم يُخلق ليبقى.

‏تعلم أن بعض الأبواب لا تُغلق لأنك فشلت، بل لأنك نضجت بما يكفي لتعرف أن العبور لم يكن لك.

‏المستقبل، كما أراه الآن، ليس انتظارًا لما سيحدث، بل استعداد لأن تكون حاضرا لما يحدث.

‏أن تكون في اللحظة بوعي كامل، بلا خوف من الغد ولا ندم على الأمس. إنه لحظة صدق عميقة بينك وبين ذاتك.

‏أيها القادمون بعدي، تعلموا أن لا تخافوا من بطء النمو، فالنضج لا يُقاس بالسنوات بل بما تغير في نظرتكم إلى الأشياء.

‏لا تجعلوا العالم يُملي عليكم مقاييسه، اصنعوا مقاييسكم أنتم. ولا تبحثوا عن المعنى في الخارج، بل ما في داخلكم… فالمستقبل الحق لا يُبنى بالأيام القادمة، بل بالوعي الذي تسكنونه الآن.

عادل النعمي

ناقد وكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى