المقالات

المكرونة جامعة الجماهير

بعد كل وجبة، نضع شوكة في طبق المكرونة – ومنها الكشري – فإننا لا نتذوق فقط نكهتها، بل نشارك في رحلة إنسانية بدأت قبل آلاف السنين، عبر أيادٍ صنعت عجينًا بسيطًا ليصبح “طعام الشعوب”.

لمرونتها في التخزين، وسهولة النقل والتحضير وتنوع النكهات ظلت المكرونة سيدة الموائد عالمياً، فوفق تقارير عالمية حتى 2023-2024، كان العالم ينتج نحو 20-25 مليون طن سنوياً من المكرونة، تترواح قيمة سوقها بين نحو 40-60 مليار دولار سنوياً. وتظهر تحليلات اقتصادية أن استهلاك الفرد العالمي يتراوح عادة بين حوالي 9-11 كغ في السنة، مع فروق كبيرة بين البلدان: فإيطاليا تبقى من أعلى الدول استهلاكاً على مستوى الكثافة، بينما تكون الدول الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة والبرازيل أيضاً مساهمين رئيسيين في الإنتاج والاستهلاك.

وهذا المزيج يجعل المكرونة رمزاً للمرونة الغذائية، وتتراوح معدلات النمو السنوي العالمية لسوق المكرونة في نطاق منخفض إلى متوسط، يتوقع أن يبقى ضمن حدود 2-3% تقريباً خلال 2020-2024 بحسب أكثر التقديرات تفاؤلاً وتوازناً بين العاملين في السوق الذي تحدد مساره عاملين رئيسيين هما تقلب أسعار القمح وتكاليف التغليف والشحن.

في السعودية والخليج، يظهر السوق كأحد المحركات الإقليمية للنمو في خلال السنوات الأخيرة. فمعدل النمو السنوي في الخليج عموماً لم يُسجّل تباطؤاً حاداً، بل كان في نطاقات متوسطة إلى مرتفعة نسبياً، ما يعكس زيادة إنفاق الأسر وتطور قنوات التوزيع والبيع بالتجزئة عبر الإنترنت. بينما تقود السعودية المنطقة من حيث حجم السوق وتنوع العروض، مع زيادة في استهلاك المكرونة وتنامي الخيارات المطبوخة مسبقاً والعبوات الجاهزة للاستخدام المنزلي والمهني.

واستناداً لتقديرات السنوات 2020-2024، فإن المستقبل يُشير إلى أن نمو سوق المكرونة في السعودية والخليج بشكل عام ممكن أن يصل إلى نحو 4-6% سنوياً، مع تزايد الطلب على منتجات ذات قيمة مضافة كالمنتجات لمُدعمة بالبروتين، وخيارات كاملة القمح، وخالية من الغلوتين في بعض الحالات.

وبمناسبة اليوم العالمي للمكرونة، نُعيد التأكيد على أن ما نأكله ليس مجرد وجبة، بل رمز للتواصل، للبساطة، للقدرة على التجدد. فلنحتفل إذن بالشرائط والخيوط التي عَبَرت القارات وتجمّعت في طبقٍ واحد، يجمع بين إرثٍ، وإبداعٍ، ومستقبلٍ غذائي مشترك.

لكن، كيف غدت المكرونة طعامًا عالميًا يعكس الثقافات ويغذي الشعوب!!.

تشكل شرائط العجين سجلّاً حضارياً يحمل في طياته قصص شعوب. تقول الحكاية أن علماء الآثار وجدوا بقايا نودلز في موقع لاجيا شمال غربي الصين، عمرها نحو 4000 سنة، مُحفوظة في وعاء مقلوب مدفون تحت أكثر من ثلاثة أمتار من الرسوبيات.

أظهر تحليل الحبوب أنها مصنوعة من أحد أنواع الدُخن، من نفس فصيلة القمح والأرز والذرة، مما يدل على مهارة غذائية ومعمارية منذ زمن بعيد.

ويعود تأسيس اليوم العالمي للمكرونة إلى مؤتمر الكونغرس العالمي للمعكرونة الذي عُقد في 25 أكتوبر 1995، بمشاركة نحو 40 منتجًا عالميًا للمكرونة، بهدف تسليط الضوء على هذا النوع من الطعام باعتباره غذاءً ميسورًا من جهة، وثقافةً غذائية طاغية من جهة أخرى. ففي بيان التنسيق العالمي وُضع أن: المكرونة غذاء متناول في جميع القارات، له مزايا لا جدال فيها، مناسب لأسلوب حياة ديناميكي وصحي.

وتشير إحصاءات منشورة إلى أن إنتاج المكرونة ارتفع من نحو 9.1 مليون طن إلى نحو 17 مليون طن خلال 25 عامًا، أي ارتفاع يقارب 85%، وأكثر من 52 دولة تُنتج وتستهلك على الأقل 1 كيلوجرام للفرد سنويًّا منها.

وتؤكد النودلز المصنوعة قبل 4 آلاف عام على أن هذا الطعام لم يكن مجرد خيار لحظي، بل عنصرًا أساسيًا في الأمن الغذائي لمجتمعات كاملة.

ويعتبر عشاق أطباق المكرونة والاسباجيتي أن الاحتفال باليوم العالمي للمكرونة يشكل فرصة للتأمل في هوية الغذاء، وكيف لطعام بسيط أن يجمع بين شعب شمال الصين ومطابخ جنوب إيطاليا، كما أنها منتج يعزز من الاستدامة كون أنه غذاء منخفض التكلفة، غني بالكربوهيدرات، يمكن أن يساهم في مقاومة الجوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى