الموت ليس فكرةً عاديَّة، بل ليس فكرةً وحسب، بل هو الحقيقة الأولى والأخيرة. وهو من الحقائق المُطلقة التي تُسلِّم بها كلُّ نفس، وتراها حاضرةً وتذوقها. وللموت الكثيرُ من الرؤى الفلسفيَّة والفكريَّة والأدبيَّة؛ فقد كُتب عنه في كلّ الثقافات وبكلّ اللغات. لذلك هو من الموادِّ الثريَّة، وهو أيضًا من الموادِّ التي يتنوَّع فيها تفسير تلك الظاهرة التي تنال من البشر جميعًا. ويكون التفسير على حسب الثقافة الغالبة.
إن الموت أشبه بلحظة التحرر والتخلص من حجاب الجسد والانطلاق نحو حقيقة الحياة الأبدية.
شغلت قضيّة الموت والخلود أذهان الفلاسفة والمفكّرين على اختلاف مَشاربهم ومَذاهبهم منذ فجر التاريخ، لما تمثّله هذه القضيّة من أهميّة كبرى تتعلّق بحياة الإنسان ومصيره بعد الموت، ولقد كانت بداية التفكير في هذه القضيّة بدايةً أسطوريّة تطرح أسئلة تتعلّق بما هو الموت، وكيفيّة حدوثه، وما مصير الإنسان بعد الموت في العالَم الآخر؟ ونتجت عن ذلك آراء فلسفيّة متعدّدة ومتنوّعة ترى في مُجملها أنّ الموت هو نقيض الحياة، كما أنّه مُرادِف للعدم، بمعنى فساد الحياة وزوالها.
في رواية .” – الأفق الأعلى” لفاطمة عبد الحميد يطل علينا الموت بضمير المتكلم،
بشكل خارق للطبيعة في بيئة واقعية حياتية متمثلة فيها كل جوانبها الانسانية ، حيث قدمت الكاتبة بذكاء ملفت ظاهرة الموت كجزء طبيعي وعادي من الحياة اليومية.
وجعلته يحكي لنا تجربته في سلب الأرواح بشكل يجمع بين الواقع والسريالية بطريقة فنية سلسة . .
في هذا العمل تلاعبت الروائية بالخيال فتدفقت الواقعية السحرية بشكل ساحر
و متقن في الفكرة وفي السرد الأدبي.
تناقش ماهية الموت، وجعلت من ملك الموت الراوي ماجعل حول الموت هالة فلسفية عميقة وبعدا وجوديا مهما.
الملفت في الرواية من مدخلها الى ختامها التركيز على كيفية تربص الموت وهو يحوم حول ضحاياه كقاتل حقيقي يقبض الروح ويسجل الوقت بالدقيقة والثانية ولا يمكن أن يتأخر او يتقدم في قبضها.
*فهو يراهم كالخنافس الصغيرة تحت قدميه.
برغم التقليدية في بقية الأحداث من العلاقة بين شخوصها وزواج القصر والحب والدهشة والمفارقات بين الحياة والموت..
وصف دقيق وبطيئ بلسان حال الموت المتربص بضحاياه، رواية جميلة، بحبكة متقنة في كيفية خطف الروح ، ولغة رائعة، تتشابك فيها الأحداث بهدوء بين الماضي والحاضر والطفولة والرجولة ، والمصائر وكيف تنتقل من الوجود الى العدم هكذا بلا سابق انذار.
شخوص تخوض تيار الزمن والموت يتربص بهم منتظرا ساعة قبض أرواحهم.
