لاشك أنّ الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام تعتبر حدثًا محوريًا في التاريخ الإسلامي، حيث تمثل بداية عهد جديد للدعوة الإسلامية في المدينة المنورة ومن خلال توثيق مسار الهجرة، يمكننا فهم الظروف التاريخية والجغرافية التي أحاطت بهذا الحدث الهام، الذي شكّل بداية جديدة للدين الإسلامي. ويشكّل التعرف على المواقع التي مرّ بها الرسول ﷺ وصاحبه أثناء رحلتهم أهمية كبيرة للمسلمين في العالم.
من هنا تأتي أهمية مشروع طريق الهجرة النبوية الذي قام به الدكتور عبدالله بن حسين القاضي، أستاذ العمارة والتخطيط وأحد الباحثين المتخصصين في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، من المشاريع الرائدة التي تهدف إلى توثيق مسار الهجرة النبوية بدقّة وعناية. ويأتي هذا المشروع في إطار جهود توثيق الأحداث التاريخية الهامة التي غيّرت مجرى التاريخ الإسلامي. إذ يمثل طريق الهجرة النبوية رؤية متكاملة لتوثيق مسار هجرة النبي محمد ﷺ منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من مكة المكرمة الى المدينة المنورة.
ولعلّ من أهم مميزات مشروع مسار درب الهجرة الفريد من نوعه كونه يمتد على مسافة 470 كيلومترًا، ويشمل 41 مَعْلَمًا تاريخيًا مرتبطًا بالهجرة النبوية. ويوفّر تجربة سياحية تفاعلية للزوّار من خلال استخدام تقنيات حديثة مثل محاكاة الواقع المعزّز، وأمّا متحف الهجرة فيعرض تفاصيل الرحلة النبوية بأساليب عرض متطورة، ويوفّر محطات للمبيت تمّ تصميمها وفقًا للمواقع التي توقّف فيها النبي محمد ﷺ، بطاقة استيعابية تصل إلى 12 ألف زائر يوميًا.
وقد اعتمد الدكتور القاضي في مشروع طريق الهجرة النبوية على منهجية بحثية دقيقة؛ حيث قام بتحليل المصادر التاريخية الموثوقة، وبدراسة الخرائط الجغرافية القديمة والحديثة، بالإضافة إلى إجراء زيارات ميدانية للمواقع التي مرّت بها الهجرة. كما استخدم تقنيات حديثة مثل نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتحديد المواقع بدقّة وربطها بالأحداث التاريخية المذكورة في السيرة النبوية. ومن أهم أهداف المشروع توثيق مسار الهجرة النبوية من خلال تحديد المواقع التي مرّ بها الرسول ﷺ وصحبه بدقة، وتوثيق الأحداث التي وقعت في كلّ موقع، وكذلك فهم الظروف التاريخية والجغرافية التي أحاطت بالهجرة النبوية، والتعرّف على التحديات التي واجهها المسلمون الأوائل، ومن ذلك تعزيز الوعي بالسيرة النبوية لدى الأجيال الجديدة، وتقديم نموذج يحتذى به في الصبر والشجاعة والتخطيط الاستراتيجي.
ومن أهم نتائج ما أسفر عنه مشروع طريق الهجرة النبوية عنها وجود خرائط تفصيلية لمسار الهجرة النبوية، توضّح المواقع التي مرّ بها الرسول ﷺ وصحبه، والأحداث التي وقعت في كلّ موقع كذلك وجود تحليل كمي وبياني للمعالم المكانية والزمانية لطريق الهجرة، باستخدام أساليب التحليل المتنوعة للمواقع التاريخية، ونتج عن ذلك وجود قائمة شاملة بالمواقع ، مع وصف دقيق لكلّ منها.
من الجدير بالذكر أنّه تمّ عرض مشروع الهجرة النبوية في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) الذي تمّ افتتاحه في 30 يوليو 2022. حيث سلّط الضوء على رحلة النبي محمد ﷺ من مكة إلى المدينة بأساليب تفاعلية وفنية حديثة، بالتعاون مع المتحف البريطاني وعدّة مؤسسات عالمية. ويمثّل المشروع إضافة نوعية لجهود وزارة السياحة في تعزيز المواقع الدينية في المملكة العربية السعودية. حيث يسعى إلى توفير تجربة سياحية متكاملة للزوار، مما يساهم في جذب مليون زائر من مختلف أنحاء العالم، إضافة لإثراء تجربة الحجاج والمعتمرين عبر تقديم محتوى إيماني يعمّق ارتباطهم بالسيرة النبوية، كذلك تنمية الاقتصاد السياحي من خلال دعم المشاريع الاستثمارية مثل الفنادق والمطاعم والمتاجر. والأهم من ذلك تعزيز الهوية الإسلامية للمملكة العربية السعودية وترسيخ مكانتها كوجهة رائدة في السياحة الدينية.
ختام القول يعدّ مشروع طريق الهجرة النبوية من المشاريع الهامة والحيوية التي سوف تسهم في توثيق السيرة النبوية وتقديمها للأجيال الجديدة بطريقة علمية وموثوقة ومشوقة. لتعزيز فهم جيل جديد للتاريخ الإسلامي والاستفادة من الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.





