المقالات

القطار شطح والمفطّح طار!

رحلة قطارٍ عجيبة امتزجت فيها الدراما بالكوميديا؛ رحلة تثير الضحك والبكاء في آنٍ واحد، ليست كغيرها من رحلات قطار الحرمين المنظمة والمريحة للمسافر!

حكى لي صاحب القصة معاناته في أول تجربة له لركوب القطار، فقال:

«حجزت مقعدًا مؤكدًا بالطائرة ذهابًا وعودة (أبها – جدة – أبها)، وكانت رحلة العودة الساعة الرابعة فجر الأحد الثاني من نوفمبر 2025. ذهبت إلى مكة لأداء العمرة، ثم حجزت مقعدًا على القطار من مكة المكرمة إلى مطار جدة. تحرّك القطار من مكة الساعة 6:35 مساء السبت 1 نوفمبر 2025، على أمل أن تكون وجهته محطة مطار جدة كما هو مدوَّن في التذكرة، ولكن لم يكن الأمر كذلك، إذ توقّف القطار في محطة السليمانية بجدة وقوفًا مؤقتًا.

ما زال الأمل قائمًا بأن تكون المحطة النهائية مطار الملك عبدالعزيز، لكن هذا الأمل تبخّر عندما تحرّك القطار مباشرة إلى المدينة المنورة دون أي توقف!

بعد أن غابت أضواء جدة أدركت أنني وقعت في ورطةٍ عجيبةٍ بسبب خطأ لم أرتكبه، بل هو من أخطاء المعنيين بخدمات القطار. شعرت بمزيجٍ من الحسرة والاستغراب من ذلك الخطأ الذي سيكلفني خسائر مالية، فضلًا عن ضياع وقتي وإتلاف أعصابي، وربما فقدان رحلة الطيران إلى أبها في فجر اليوم التالي.

استسلمت للأمر الواقع، وعندما وصلت إلى محطة المدينة المنورة توقعت أن الحل المنطقي هو إعادتي مجانًا إلى جدة لتصحيح الخطأ، ولكن مع الأسف لم يتحقق ذلك. سألت إحدى مسؤولات المحطة فأفادت بأنها لا تستطيع تقديم أي حل، وقالت: عليك تقديم شكوى وستأخذ حقك! ثم أضافت: إن أردت العودة الآن إلى جدة فعليك دفع تذكرة على الدرجة الأولى بمبلغ (800) ريال لعدم وجود مقعد شاغر في الدرجة الاقتصادية!

انشلَّ تفكيري وأنا أندب حظي العاثر. فكرتُ في كلامها وشعرتُ بالغبن، إذ حُمّلتُ مسؤولية خطأ ليس لي يد فيه. غادرت المحطة واستأجرت سيارة خاصة بمبلغ (309) ريالات، وملأت خزان الوقود بـ(49) ريالًا، وتوجهتُ إلى جدة فورًا حتى لا تفوتني رحلة الطيران إلى أبها.»

انتهت قصة المسافر الضحية الذي أراد أن يجرب ركوب القطار، فكانت تجربةً قاسيةً ومريرةً لن ينساها أبدًا.

بقي أن أقول: إن هذا المسافر كان له أقرباء في جدة، وعندما تحرّك القطار من مكة تواصل معهم ليستقبلوه في محطة المطار. فتوزعت الأدوار؛ ذهب أحدهم إلى المحطة، وذهب آخر إلى أحد المطابخ لإحضار ذبيحة لإكرام الضيف.
طال الانتظار في المحطة، فاتصل المندوب بضيفه يسأله عن سبب التأخير، فقال له الضيف:

«نحن متجهون إلى المدينة المنورة!»

ظنّ المندوب أن ضيفه يمزح، لكنه أكّد المعلومة. عندها دخل الاثنان في نوبةٍ من الضحك الهستيري غير مصدقين ما حدث! حاول مندوب العشاء إلغاء الذبيحة فلم يتمكن، لأنها قد ذُبحت وسُلخت وطُبخت! وأخيرًا تعشّت العائلة، ولم يُكتب للضيف نصيب!

التساؤلات هي:
من المتسبب في تلك المعاناة؟
هل هي محطة القطار بمكة المكرمة التي أصدرت تذكرة وجهتها جدة بينما وجهتها الصحيحة المدينة المنورة؟
أم هو قائد القطار الذي واصل طريقه بدل التوقف في مطار جدة؟
ولماذا لم يُعلن للمسافرين عند الوصول إلى محطة السليمانية أن الوجهة التالية هي المدينة المنورة؟
وأخيرًا، هل سيتم تعويض تلك الضحية عن خسارته المالية؟ أم سيتحملها كما تحمل ضياع وقته وجزءًا من عقله!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى