المقالات

رسالة البحر التي كتبتها الأقدار

من أغرب قصص الحب والعشق في التاريخ التي وردت في الأدب العالمي، تلك التي حدثت عام 1956م، وكان بطلها البحّار السويدي أوكي فيكينغ، الذي كان يجوب المحيط الأطلسي وحيدًا على ظهر سفينته.

ذكّرتني هذه القصة بقصيدة الشاعر السوري نزار قباني بعنوان «رسالة من تحت الماء»، التي غنّاها الفنان عبدالحليم حافظ لأول مرة عام 1973م، في حفل بجامعة القاهرة.

تقول القصة: في إحدى الليالي شعر أوكي فيكينغ بحاجة شديدة إلى شخص يتحدث معه، يسمع صوته في مكان ما. فأخرج ورقة صغيرة من جيب معطفه وكتب عليها بخط مؤثر:

«هذه رسالة إلى شخص جميل وبعيد»،

ثم كتب اسمه وعنوانه، ووضع الرسالة داخل زجاجة وألقاها في البحر.

لم يتوقّع البحّار السويدي أبدًا أن تتحول تلك الزجاجة إلى بداية قصة حب تنتهي بزواج.
فبعد شهور وصلت الزجاجة إلى شاطئ قرية تقع في جزيرة صقلية جنوب إيطاليا، وكانت هناك فتاة في السابعة عشرة من عمرها تُدعى بولينا بوتزو تتمشى على الشاطئ، عندما لمحت الزجاجة تتأرجح بين الأمواج. التقطتها، فتحتها، وقرأت تلك الكلمات القصيرة التي لامست قلبها من عالم بعيد.

تأثرت بولينا كثيرًا، وشعرت أن الرسالة موجّهة إليها حقًا. كانت حياتها بسيطة؛ تعيش مع أسرتها في منزل متواضع تحيطه بساتين البرتقال. كانت تعشق البحر مثل أبيها الصياد، وتحلم بحياة مختلفة. فقررت الرد على الرسالة، وكتبت إلى البحار المجهول عن حياتها في قريتها، وعن النسيم الدافئ، وأصوات القوارب التي تعود عند الغروب.

تلقّى أوكي فيكينغ الرد غير مصدّق أن البحر يمكن أن يردّ عليه فعلًا، وبدأت المراسلات بينه وبين بولينا واستمرت عامين.
كانا يتبادلان الرسائل المليئة بالتفاصيل الصغيرة: هو يحكي لها عن البرد القارس في السويد، وعن الليالي الطويلة وسط أمواج البحر، وهي تحكي له عن دفء الشمس الإيطالية، وعن عبير زهور البرتقال في الربيع. ومع كل رسالة، كان خيط غير مرئي يربط قلبيهما أكثر فأكثر.

أبحر أوكي عام 1958م إلى جزيرة صقلية ليقابل صاحبة الرسالة التي أعادت له الحياة.
وعند وصوله إلى الجزيرة، كانت بولينا تنتظره بخجل، والتقيا للمرة الأولى، وكأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات.

في أكتوبر من العام نفسه، تزوج أوكي وبولينا في حفل بسيط أُقيم في جزيرة صقلية. وكتبت الصحف الإيطالية والسويدية قصتهما، وأطلقت عليها:

«أجمل رسالة حب كتبها البحر».

بعد الزفاف، انتقلت بولينا مع أوكي إلى السويد، حيث عاشا حياة هادئة مليئة بالحب والمودة. أنجبا ثلاثة أطفال، واستمرت علاقتهما الزوجية ثلاثة وأربعين عامًا، حتى وفاة أوكي عام 2001م.

ومع مرور السنين، ظلّت بولينا تحتفظ بالزجاجة الأصلية والرسالة بداخلها، على رفّ بجانب المدفأة، كتذكار جميل لبداية حكاية لا يكتبها إلا القدر.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جميل جدا معالى الأخ الدكتور بكرى عساس هذا المقال الرومانسى وما أوحوجنا إليه. فلم يبقى من مشاعر الحب والغرام سوى هذه الروايات القصيره التى تذكرنا بذمن إنقضى إلى غير رجعه .فأكثر لنا منها فما أحوجنا إليها .دمتم معاليكم فى حب وغرام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى