في الوقت الذي تتسارع فيه التحولات التقنية، وتتقاطع فيه مسارات الإبداع مع أدوات المستقبل، تبرز السينما الطلابية كمساحة تأسيسية واعدة، تحمل في طياتها إمكانات حقيقية للنمو الثقافي وتحقيق الطموحات الوطنية.
لم تعد المبادرات الطلابية مجرد منصات للعرض، بل تحوّلت إلى مختبرات إبداعية تسهم في صياغة هوية سينمائية سعودية أصيلة، قادرة على التميّز والمنافسة، ومواكبة التحولات المتسارعة في صناعة المحتوى الإعلامي والسينمائي.
تدخل السينما الطلابية اليوم مرحلة فارقة مع انطلاق النسخة الثالثة من مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية، الذي تنظمه كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز، ويشهد المهرجان هذا العام إضافة نوعية، تتمثّل في إطلاق مسار الذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس وعي المؤسسات الأكاديمية بضرورة التكيّف مع التغيّرات العالمية في صناعة السينما، وتأهيل جيل من المبدعين يمتلك أدوات المستقبل،
ويمثّل هذا المسار نقطة التقاء بين الإبداع الفني والتطور التقني، ويفتح آفاقًا جديدة أمام المواهب الطلابية، بما يواكب متطلبات سوق العمل السينمائي والإعلامي،
يأتي هذا المسار كتجلٍّ لهذا التحوّل، حيث تبرز تساؤلات جوهرية في المجال حول كيفية الحفاظ على الخصوصية الثقافية وسط العولمة الرقمية!
فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون وسيلة فاعلة لتعزيز الهوية السعودية ورواية القصص المحلية، شريطة أن يستخدمه مبدعون يدركون قيمة موروثهم الثقافي، ويملكون الوعي الكافي لتوظيف التقنية في خدمة الرؤية الإبداعية، لا أن تطغى التقنية على الجوهر الفني، وقد حرصت كلية الاتصال والإعلام على تعميق هذا المفهوم في مخرجات الطلبة، مؤكدة أهمية ارتباط الأعمال السينمائية بالبيئة المحلية، وتمثيلها لهوية المجتمع ورؤيته المستقبلية بلغة بصرية حديثة قادرة على مخاطبة الأجيال الحالية والقادمة.
في هذا السياق، تُسجّل هذه النسخة من المهرجان حضورًا فاعلًا لأكاديمية واس للتدريب، عبر مخرجات “معسكر واس للمحتوى الإبداعي بالذكاء الاصطناعي”، حيث مثّلت الأعمال المشاركة نماذج تطبيقية تُبرز ما يمكن تحقيقه حين تتوفّر برامج تدريبية متخصصة، وحاضنات إبداعية مؤهّلة.
اليوم، تقف السينما الطلابية على أعتاب مرحلة جديدة؛ مرحلة تتوفّر فيها الإمكانات، وتُفتح فيها الفرص، وتتهيّأ خلالها بيئة محفّزة قادرة على تمكين المواهب واستثمارها في الاتجاه الصحيح،
وبذلك، يمثّل مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية ٢٠٢٥ تجسيدًا حيًّا لتكامل الجهود، وتنوّع المسارات، واتساع مجالات التعاون بين مؤسسات التعليم والتدريب، بما يعكس استدامة النمو الثقافي، ويحوّل الطموحات الوطنية إلى واقع ملموس، بوصفه نموذجًا أكاديميًا ومؤسسيًا يبرز التفاعل الخلّاق بين النظرية والتطبيق، مؤكدًا أن الاستثمار في الطاقات الطلابية يشكّل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الثقافية المستدامة.
ولا شك أن التزام كلية الاتصال والإعلام بدعم الإبداع في جميع مساراته، يعكس توجهًا استراتيجيًا لبناء منظومة متكاملة لصناعة المحتوى؛ تبدأ من التعليم والتدريب، وتمتد إلى التمكين والإنتاج والعرض، وهي منظومة تُشكّل ركيزة أساسية لاستدامة النمو الثقافي، وتحقيق الاحتياجات الوطنية.






