
علامة فارقة ودلالة قاطعة، يحظى بها كل من اصطفاه الله عز وجل بالذكر الطيب والصيت الحسن، ومنهم معالي الدكتور محمد بن علي العُقَلا مدير الجامعة الإسلامية سابقًا (وأحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدًا)، والذي أجمع كل من عرفه وتعامل معه على فردانية المناقب وخصائص السمات التي جمعت بين الكرم والوفاء والتواضع ونكران الذات والعطاء المدرار.
وسمت صفاته الطيبة محلّقة في المشارق والمغارب بين طلاب العلم وأهليهم؛ إذ لم يكن مديرًا للجامعة فحسب، بقدر ما كان رجل علمٍ وأدبٍ وإدارةٍ ودعوة، يتسم باللباقة والنشاط بعيدًا عن البيروقراطية الإدارية القاتلة. فضلًا عن كونه أبًا حنونًا لجميع الطلاب، وأخًا وصديقًا لجميع الأساتذة والإداريين، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم.
وبدون مبالغة، فقد كانت الجامعة الإسلامية تحت إدارته أنشط الجامعات السعودية في الحراك الثقافي والفكري والدعوي، كما تسنمت تحت ريادته ـ بامتياز ـ موقع أكثر الجامعات الإسلامية في العالم تواصلًا دعويًا وثقافيًا وفكريًا.
ورغم نشاطه المحموم، فقد ظل محتفظًا بوسطيته واعتداله، رغم كثرة المؤتمرات والمحاضرات والندوات والأنشطة الدعوية، فلم يُؤثَر عنه ـ بفضل الله ـ أي شطط أو غلو أو انحراف أو شذوذ.
ومما يُؤثَر لمعاليه تمكينه لآلاف الطلاب من مواصلة دراساتهم العليا المسائية (الماجستير والدكتوراه)، والتي كانت حلمًا يراودهم، فغدوا بعد تخرجهم أساتذة مبرزين في أقسام الجامعات المختلفة.
ومن فردانية معاليه المتميزة إدراكه خصوصية خريجي الجامعة الإسلامية من غير السعوديين، وإدراكه حاجة وضرورة منافسة مشاريع التنصير والتشيّع في بلدانهم، من خلال امتلاكهم شهادات علمية في الحاسب والهندسة والعلوم، تمكنهم من خوض معترك الحياة العملية وتسنم القيادات الإدارية في بلدانهم، دون إهمال الجانب الشرعي والدعوي لهم، من خلال زيادة الجرعات العلمية الشرعية، مع إلزامهم بالحصول على عدة دبلومات في الدعوة والفقه، وتهيئة الأجواء العلمية والتربوية من خلال العيش في ربوع الجامعة الإسلامية وحضور فعالياتها العلمية والثقافية، وتوظيف خصوصية المدينة والمسجد النبوي لبناء شخصية الطالب الدعوية والتربوية.
كل ذلك ألقت ظلاله الوارفة على اتساع تأثير معاليه المباشر، في ظل مديرٍ أبويٍّ يتفقد أحوال أبنائه الطلاب ويزورهم في مهاجعهم ويتابع شؤونهم عن كثب.
ورغم انتهاء فترة إدارته المباركة للجامعة الإسلامية، فلم يزل ـ رحمه الله ـ وفيًا للمدينة وأهلها، ولطلاب الجامعة وأساتذتها وإدارييها؛ إذ كان دائم الزيارة لهم جميعًا، ملبّيًا دعواتهم، زائرًا لهم في بيوتهم.
ونخلص من هذه السيرة العطرة لهذا العلم الشامخ امتلاكه شخصية كاريزمية جاذبة وعالية التأثير، وتميزه ـ رحمه الله ـ بأريحية الأخلاق الفاضلة المتمثلة في الكرم والتواضع وعلو الهمة، والبعد عن العنصرية والعصبية والتحزب، والتواصل العجيب مع الجميع، والعمل الدؤوب بلا كلل ولا ملل.
وتلك الخاصية أكسبته ـ رحمه الله ـ هذا الإجماع بالثناء الجميل عليه، وهو ما يعد من عاجل بشرى المؤمن كما قال رسول الله ﷺ عن جنازة أثنى عليها الصحابة خيرًا فقال: “وجبت”، أي وجبت له الجنة.
والحياة ما هي إلا ذكريات يخلفها المرء بعد موته، ويبقى عنصر الأخلاق الفاضلة؛ العملة النادرة التي لا يرخص ثمنها، والعنصر الذي يرجّح كفة الموازين والمعايير الإنسانية الراقية مهما تعاقب الزمان وتوارث الناس المكان.
رحم الله أبا طارق، وغفر له، ورفع درجاته، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
والعزاء الجميل لزوجته وأولاده وبناته وذويه وطلابه في كل أصقاع الأرض.
وأسأل الله تعالى أن يعوّض الأمة السعودية والعربية والإسلامية خلفًا مباركًا لهذا القمر الذي اختفى مع قلائده الدرر.
أبا طارقٍ كنتَ المُديرَ المُبَجَّلا
وأورثتَ فضلًا بالجميلِ مُخبِّرا
وسِرتَ كنجمٍ للفضائلِ جمعِها
ونِلتَ بتاجِ الجودِ بذلًا ومَنْظَرا
وصِرتَ إمامًا في المساربِ والدُّنا
وطوَّفتَ مِقدامَ المناقبِ مُبهِرًا
عَرَستَ بذورَ الفضلِ في كلِّ منزلٍ
وأوفيتَ معطاءً وبالجدِّ مُظهِرًا
وألهمتَ جيلاً قد رآكَ معلّمًا
وأستاذَ جودٍ لا يزالُ معبّرًا
لِيَنعاكَ من أقصى البسيطةِ عالمٌ
تربّى على عينيكَ علمًا ومفخرًا
وتنعاكَ أعوادُ المنابرِ جمعُها
وساحاتُ درسٍ للمساجدِ مُظهِرًا
فكم قد رويتَ الكونَ من حُسنِ دعوةٍ
وبلّغتَ دينَ اللهِ للناسِ مُجهرًا
وأنقذت مأسور الضلالة في الدُنا
وأحييت إرثاً للنبوةِ مُكْثِراً
عليك سلامُ الله ما لاح بارقٌ
وما هَلَّ من طرفِ السحابةِ مُنثِرًا
الأستاذ بالجامعة الإسلامية وجامعة طيبة سابقًا






