وُلِدَ الشاعر المصري محمد يونس القاضي، الملقب بشيخ المؤلفين والمبدعين ومؤلف النشيد الوطني، في بداية شهر يوليو من عام 1888م، في حي الدرب الأحمر، أحد أحياء مدينة القاهرة العتيقة، لأبوين من أسرة عريقة. كان والده يعمل في القضاء ويحب الأدب والشعر الزجلي، ووالدته السيدة عائشة الحريري من أعيان القاهرة الفاطمية.
كان والده يونس أحمد يقيم في داره ندوة أدبية بعد عصر كل يوم جمعة، يحضرها الوجهاء، يتبادلون فيها الشعر والزجل. وإضافة إلى ذلك، كان والده يمتلك مكتبة تضم آلاف الكتب، ومن هنا بدأت هوايته للشعر والأدب.
لم يكن “محمد يونس” مجرد شاعر، بل أصبح ذاكرة مصر الحيّة في زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر.
التحق محمد يونس بالأزهر، وحاول منذ أيامه الأولى الوصول إلى الصحافة، فذهب للقاء زعيم الحزب الوطني مصطفى كامل، وقدم له أول مقالاته التي تم نشرها في جريدة المؤيد.
تُعدّ الفترة بين عامي 1905م و1942م الفترة الذهبية للشاعر محمد يونس؛ إذ كتب خلالها آلاف الأزجال الصحفية، وما يزيد على ألفي دور، وطقطوقة، وموشح، سُجل أغلبها على أسطوانات بأصوات كبار مطربي ذلك العصر، مثل منيرة المهدية وزكي مراد وعبداللطيف البنا، إلى جانب أعماله المسرحية التي تجاوزت 58 مسرحية غنائية واجتماعية وفكاهية، كانت تُشعل الحماس لدى المصريين ضد الإنجليز.
ووصل الأمر إلى أن أوقف الإنجليز عرض مسرحيته “كلها يومين” التي قام بتلحينها سيد درويش، وكانت من بطولة منيرة المهدية، بحجة أنها تحمل عبارات عنيفة ضد المستعمر الإنجليزي.
وعندما نُفي سعد زغلول، كتب محمد يونس أغنية “يا بلح زغلول” التي قلبت الشارع المصري ضد المحتل.
وحين حاول الإنجليز كسر إرادة المصريين، كتب نشيد الصمود “أهو ده اللي صار”.
ولم يكتف بذلك، بل لامس العاطفة والوجدان بأغانٍ أصبحت جزءًا من تراث المصريين، معظمها من أداء سيد درويش، مثل:
“زوروني كل سنة مرة” و**“أنا هويت وانتهيت”**.
ويُقال إن الشاعر محمد يونس هو من اكتشف السيدة أم كلثوم، حيث أقنع والدها بأن تغني القصائد والأغاني الوطنية إلى جانب الإنشاد الديني والمديح، وظل يلحّ عليه حتى وافق على أن تغني قصائد عبده الحامولي، ومنها:
“وحقك أنت المنى والطلب”، و”قال إيه حلف ما يكلمنيش”،
حتى أصبحت تنافس منيرة المهدية في شهرتها.
وكثير من الناس لا يعرفون أن الشاعر محمد يونس القاضي هو الذي كتب الكلمات التي يهتف بها ملايين المصريين كل صباح:
“بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي”،
النشيد الذي أصبح رمزًا للهوية المصرية وصوتًا للوطن.
تُوفي الشاعر محمد يونس في الأول من يونيو 1969م، عن عمر ناهز 81 عامًا، قدّم خلالها إسهامًا كبيرًا في تصحيح مسار الإبداع المصري في مجال الأغنية والمسرح.



