المقالات

استراتيجيات تأهيل مشاهير التواصل الاجتماعي لبناء صورة ذهنية إيجابية للمملكة

في عصر التحول الرقمي المتسارع، أصبح مشاهير التواصل الاجتماعي (المؤثرون) يمثلون قوة إعلامية هائلة تتجاوز حدود وسائل الإعلام التقليدية، لإن قدرتهم على الوصول المباشر إلى ملايين المتابعين تمنحهم تأثيراً عميقاً في تشكيل الرأي العام وبناء الصور الذهنية، سواء محلياً أو عالمياً، وفي ضوء الرؤية الطموحة للمملكة العربية السعودية، والمتمثلة في رؤية 2030، يبرز التحدي المتمثل في تحويل هذا التأثير الرقمي إلى أداة فاعلة ومسؤولة لتوجيه الخطاب العام نحو بناء صورة ذهنية إيجابية ومشرقة عن المملكة.
إن الاعتماد على جهود فردية وغير منظمة من قبل المؤثرين قد يؤدي إلى تشتيت الرسالة، أو في بعض الحالات، تقديم محتوى يتعارض مع الأهداف الاستراتيجية الوطنية، لذا، يصبح تأهيل هؤلاء المشاهير وفق برامج مهنية ومحتوى موجه ضرورة استراتيجية لضمان أن يكون خطابهم بمثابة امتداد إيجابي وفعّال لجهود الدبلوماسية العامة والإعلام الرسمي.
لتحقيق هذا الهدف، يمكن تبني استراتيجية تأهيل متكاملة ترتكز على المحاور التالية:
1. التوعية بالعمق الاستراتيجي والمعرفي:
• فهم الرؤية الوطنية: ينبغي تنظيم ورش عمل مكثفة للمؤثرين لشرح مستهدفات ومشاريع رؤية 2030. (مثل نيوم، القدية، والبحر الأحمر)، ليس كأخبار عابرة، بل كقصص نجاح تعكس المستقبل.
• الإلمام بالهوية الثقافية: تدريب المؤثرين على كيفية تقديم الثقافة والتراث السعودي الغني بعيداً عن الصور النمطية، والتركيز على مفاهيم التسامح والاعتدال والتنوع الذي تتميز به المملكة.
• أساسيات الدبلوماسية الرقمية: تدريب المؤثرين على كيفية التعامل مع الانتقادات أو الحملات المغلوطة بأسلوب احترافي وهادئ، مع التركيز على مبدأ دحض المعلومة الخاطئة بالحقائق الموثقة بدلاً من الانخراط في سجالات غير بناءة.
2. التدريب على المحتوى الإيجابي والموجه:
• صناعة السرد القصصي (Storytelling): التركيز على تدريب المؤثرين لإنشاء محتوى قصصي يروي التحولات التنموية والاجتماعية بأسلوب شخصي ومؤثر، بدلاً من مجرد سرد البيانات والإحصائيات.
• الاحترافية في الأزمات: وضع ميثاق شرف ومعايير تحريرية للمحتوى لضمان عدم نشر الشائعات أو المعلومات غير المؤكدة، والتعامل بحذر ومسؤولية خاصة خلال الأزمات الوطنية أو الإقليمية.
• لغات ومخاطبة الجمهور الدولي: تشجيع وتأهيل المؤثرين القادرين على إنتاج محتوى بلغات عالمية (كالإنجليزية، والفرنسية، والصينية) لمد جسور التواصل مباشرة مع الجمهور غير العربي، وتقديم قصص المملكة للعالم.
3. الإطار التنظيمي والمسؤولية المشتركة:
• إنشاء مرجعية تنسيقية: تأسيس هيئة أو مركز اتصال بين الجهات الحكومية والمؤثرين لضمان تدفق المعلومات الصحيحة وفي الوقت المناسب، وتوجيههم نحو القضايا ذات الأولوية الوطنية.
• برامج الشراكة المؤسسية: إطلاق برامج شراكة واضحة بين المؤثرين والجهات الحكومية والقطاع الخاص لإنتاج محتوى تسويقي عالي الجودة يعكس التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
• القياس والتقييم: تطبيق آليات قياس دقيقة لتقييم أثر محتوى المؤثرين على الصورة الذهنية للمملكة، وتوجيه الدعم والمكافآت للمؤثرين الذين يحققون نتائج إيجابية ملموسة.
إن تأهيل مشاهير التواصل الاجتماعي ليس مجرد برنامج تدريبي، بل هو استثمار استراتيجي في المجال الإعلامي الرقمية للمملكة، بتحويلهم من مؤثرين محليين إلى سفراء رقميين مسؤولين، يمكن أن تستثمر قدرتهم على اختصار المسافات الزمنية والجغرافية، وتقديم صورة عصرية ومنفتحة تعكس حقيقة الحراك التنموي الذي تشهده المملكة، مما يرسخ صورة ذهنية إيجابية وواثقة في الوعي العالمي.

أ. د. محمد بن سليمان الصبيحي

الممثل الإعلامي للمملكة في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى