أتابع دائماً لافتات المحال التجارية والمراكز والمرافق العامة، ضافة للمطاعم والمقاهي، وخاصة التي على الشوارع العامة، فوجدت أغلب الأسماء التي تتصدر الواجهات مكتوبة بالإنجليزية فقط أو بالإنجليزية بخط أكبر من العربية، وكأن اللغة العربية غير قادرة على أداء الدور نفسه في الجذب والإقناع؛ مما يضعف حضور العربية في الفضاء العام ويُسهِم في تكريس صورة نمطية تعتبر اللغة الأجنبية معيارًا للتطور والتميز، على حساب لغةٍ كانت وما زالت إحدى أكثر اللغات ثراءً وتعبيرًا.
هذه الظاهرة، التي بدأت تدريجيًا بدافع “الحداثة” و”الجاذبية التسويقية”، تحوّلت اليوم إلى سمة واضحة في شوارعنا، الأمر الذي يثير تساؤلات واسعة حول تأثيرها على مكانة اللغة العربية ووعي الأجيال الجديدة.. نعم تراجعت لغتنا أمام موجة من المسميات الأجنبية التي قد لا تمت للثقافة المحلية بأي صلة، فتراجع استخدام العربية في أسماء المحال واللافتات ينعكس سلبًا على وعي الأطفال والناشئة الذين يتعاملون يوميًا مع لغة غير لغتهم الأم في الشوارع والمراكز التجارية.
هذا الانفصال التدريجي قد يُضعف الارتباط بالتراث الثقافي العربي وبالهوية اللغوية، في وقت أصبحت فيه اللغات العالمية تتنافس على المساحات العامة وعلى عقول الأجيال.. إن المسميات الأجنبية لا تُفقد العربية حضورها فحسب، بل تُفقد البيئة المحلية جزءًا من أصالتها، فالأسماء ليست مجرد حروف على واجهة محل، بل تحمل دلالات ثقافية وتاريخية وجمالية تعكس روح المجتمع وقيمه وطابعه الخاص.
إن محاولات التحايل باستخدام خطوط صغيرة للعربية تُفقدها وضوحها، مقابل إبراز الإنجليزية كالعنصر الأساسي، كما أن تعزيز حضور العربية لا يعني منع اللغات الأخرى، بل يهدف إلى حماية هوية المجتمع وضمان أن تبقى اللغة العربية في صدارة المشهد البصري، ففي الوقت الذي تُعد فيه اللغة العربية واحدة من أكثر اللغات انتشارًا في العالم، وركنًا أصيلًا من التراث الإنساني والحضاري، يتطلب الحفاظ على مكانتها جهودًا متكاملة تشمل الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والمؤسسات التعليمية، إضافة إلى حملات توعوية تُبرز جمالية اللغة العربية وقدرتها على التعبير العصري دون الحاجة إلى استبدالها.
إن استبدال الأسماء العربية بالإنجليزية في المحال والمراكز والمرافق العامة ليس مجرد خيار تجاري، بل قضية لغوية وثقافية تستحق التوقف عنده، فالمحافظة على اللغة العربية في الفضاء العام هي جزء من الحفاظ على الذات والهوية، ومن تعزيز الانتماء إلى جذور حضارية عميقة، وبينما تواصل المدن العربية تطورها السريع، يبقى السؤال مفتوحًا: كيف نحافظ على لغتنا دون أن نحرم أنفسنا من الانفتاح على العالم؟!.
ننادي ونناشد من الأوساط الإعلامية بإطلاق مبادرات تُشجع التجار ورواد الأعمال على اختيار أسماء عربية مبتكرة، وتقديم حوافز للمحال والمراكز التي تلتزم باستخدام العربية بشكل واضح، إلى جانب تنظيم مسابقات لأفضل الأسماء العربية التجارية، والمطالبة بإدراج حماية اللغة العربية ضمن مسؤوليات الشركات، بإيمان أن اللغة جزء من الهوية البصرية للمدن ومكوّن رئيسي من ملامحها الثقافية.
0






