المقالات

حضرموت والمهرة: ميزان الدولة

تتعاطى المملكة العربية السعودية مع تطورات حضرموت والمهرة بمنهج دولةٍ تُحسن وزن المواقف قبل اتخاذها، وتقدّم الأمن والاستقرار وسلامة المدنيين على أي انفعال أو حسابات ظرفية. وتنطلق في ذلك من إدراكٍ عميق لحساسية الجغرافيا وأثرها المباشر على أمنها الوطني وأمن المنطقة، باعتبار شرق اليمن عمقًا استراتيجيًا لا يحتمل المغامرة ولا يقبل فرض الوقائع بالقوة على حساب حياة الناس وأمنهم اليومي.

وتدعو السعودية المجلس الانتقالي إلى خروجٍ سلسٍ وعاجل من حضرموت والمهرة، تأكيدًا على مبدأ سيادي ثابت مفاده أن أمنها الوطني ليس مجالًا للنقاش ولا ساحةً للتفاوض، وأن الرياض لن تقبل بأي أمرٍ واقع يُفرض على حدودها أو يعرّض المدنيين لمخاطر التصعيد. ويأتي هذا الموقف انطلاقًا من مسؤولية دولة ترى أن حماية الحدود لا تنفصل عن حماية السكان، وأن أي تحركات أحادية خارج إطار التوافق تمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار المجتمعي في اليمن.

وتُتيح آليات التحالف، بوفده السعودي والإماراتي، مسارًا منظمًا للخروج وتسليم المواقع إلى قوات «درع الوطن»، مع إشراف مباشر يضمن انتقالًا آمنًا ومسؤولًا، ويحول دون وقوع فراغ أمني قد ينعكس سلبًا على حياة المدنيين وخدماتهم الأساسية. ويعكس هذا الترتيب حرص المملكة على أن تتم المعالجات بروح الدولة وبمنطق الوقاية لا المجازفة، وبالتدرج المنضبط الذي يجنّب المدن والقرى كلفة الصدام.

وتقود قيادة التحالف جهودًا واضحة لخفض التصعيد وفرض التهدئة في محافظتي حضرموت والمهرة، وتعمل على منع وصول أي دعم عسكري من أي دولة كانت إلى أي مكوّن يمني خارج إطار التنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف، بهدف ضبط المشهد الأمني وحماية السكان من اتساع رقعة المواجهات. ويأتي هذا النهج دعمًا لمساعي المملكة والتحالف في تحقيق الأمن والاستقرار، ومنع انزلاق المحافظتين إلى دوائر صراع جديدة يدفع المدنيون ثمنها أولًا.

وتحسب هذه الخطوة للمجلس الانتقالي إن هو اختارها، إذ تعكس نضجًا سياسيًا ومسؤولية وطنية تُدرك أن حماية المدنيين وتغليب المصلحة العامة يسبقان أي مكاسب آنية، وأن الشراكات تُقاس بقدرتها على حفظ الأمن المجتمعي لا بإرباكه. كما تسهم في إعادة ترتيب المشهد اليمني على أسس مؤسسية تُعزّز فرص السلام وتحد من الانقسامات داخل الصف الواحد.

وتحمل الرسالة السعودية، كما ورد في بيانها، تحذيرًا واضحًا من أن أي تصعيد سيقود إلى «ما لا تُحمد عقباه»، في إشارة صريحة إلى رفض الإجراءات الأحادية، وإلى أن الدولة حين تحذر فإنما تفعل ذلك حمايةً للمدنيين، وصونًا لوحدة اليمن، وحفاظًا على أمن المنطقة. وتؤكد المملكة أن القوة حين تُستدعى تُسخَّر لحماية السلام وحياة الناس، لا لتقويضها، وأن تغيير المسار عند تغيّر الواقع هو تعبير عن نضج القرار وسيادته.

وتتطلع السعودية إلى يمنٍ آمنٍ ومستقر، تُدار فيه الخلافات عبر مؤسسات الدولة، ويُصان فيه الأمن بقرار وطني جامع، وتُقدَّم فيه سلامة المدنيين ومصلحة الشعب على كل اعتبار، إيمانًا بأن هذا النهج وحده كفيل بترسيخ السلام وحماية وحدة الأرض والإنسان وتعزيز أمن المنطقة

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى