المحلية

جائزة الأزْرَقي .. مكة التي في خاطري

جائزة الأزْرَقي .. مكة التي في خاطري
حسن محمد شعيب

[CENTER][IMG]https://www.makkahnews.sa/contents/myuppic/053a0e62cbcb00.jpg[/IMG][/CENTER] [JUSTIFY]تنطلقُ المبادراتُ النبيلةُ ولا يكونُ حاضراً في ذِهْن أصحابها تلك الآفاقُ البعيدةُ التي يمكن أن تفتح لغيرهم – بالمستقبل القريب أو البعيد – أبعاداً من الإنجاز وأبواباً من الخيرِ والمعرفة للأمّة تترسّمُ خُطَاهم الأجيالُ حامِلةً بَيَارقَ الوفاء لمَنْ خَطّ الطريقَ وعبّدَ المَسارَ بحُسنِ الاختيار .

حينما وُلدَ بمكةَ ونشأ وترعرعَ على تُرابها المُحرّمِ وتلقّى علومَهُ المُتواتِرة عن آبائهِ وأجدادهِ ومَشايخِهِ الأعلام ؛ كتبَ اللهُ له التوفيقَ في أوّلِ تأليفٍ عنها يُكتبُ لهُ القَبُول وتيسير الوُصُول إلى قرّاءِ التاريخِ العَريق جيلاً بعد جيل ؛ ليتربّع نتاجُه وحدَه كأوّلِ كتابٍ عن هذه المدينةِ الطاهرة يعبُرُ العُصُور وتتلقّاهُ الأمّة المُحمّدية مُسْنِدَةً إليهِ لدى كلِّ مَنْ بَرَى قلمَه وبسَط مِدادَه لتسجيل خُيُوط النّور المكيّة مُنطلقاً ببَصِيصٍ من قبَسِ “أبي الوليد الأزرقي” صاحِبِ كتاب “أخبارِ مكّة” بالقرْنِ الثالثِ الهجري ؛ مُؤسّساً لعَظمةِ الكِتَاب المكّي مكاناً ومكانةً لا تزولُ عبْر السّنين والقُرون التي واصَلَ فيها الكتابُ المَكيّ مُؤرّخاً لأمجادِها مُسْتنبطاً لأسرارِها مُجَلّياً لأعْلامِها الذينَ لم تَعْقِمْهُم أمّ القرى أبَداً .

وفي العقد الثالث من القرن الخامس عشر الهجري تبنّتْ المنظمةُ الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة “الإيسسكو” برنامجَ عَوَاصِمِ الثقافةِ الإسلاميةِ ؛ وتمّ اختيارُ مكةَ المكرمة عام 2004م كأول عاصمةٍ للثقافةِ الإسلاميةِ في هذا البرنامجِ المُتجدّدِ كلَّ عامٍ ؛ فكان ذلك مَصدرَ فخرٍ وسُرورٍ لجميعِ المُسلمين في تجديدِ تلكَ المَزِيّة والمَرْكزيّة للمدينةِ المقدّسةِ المُحرّمةِ المُعظّمةِ من لدُنْ ربِّ العالمين ، ومُحرّكَ التِفَاتٍ إلى أهميّةِ الكتابةِ عن تاريخِها وثقافتِها منْ جَديد ، وإبرازِ موقِعِها الدّيني والاجتماعي المُؤثّرِ في الدّراساتِ الإسلاميّة ؛ فمكةُ أمُّ المَدَائنِ لم تزلْ مُكتنِزةً للكثيرِ منْ العُلومِ والأسْرارِ التي لا تخفى على المُؤلّفينَ المُوَفّقينَ منَ الأخيَار .

وقد تمخّض هذا الاهتمام الدّولي عن بعضِ النّدواتِ هنا وهناك ، وطباعةِ بعض الكتب والدراسات القديمة والمكرّرة مع البعض الآخر الذي اتّسَمَ بالجِدّةِ والإضافة ؛ فكانت احتفاليّةُ جامعةِ أمّ القرى بهذا الحَدَث من خلال عَقْد نَدْوة علميةٍ كُبرى استُكتب لها عشراتُ الباحثين وطُبعتْ بُحُوثُهُم في عشرينَ جُزءاً وُزّعتْ على المشاركين فقط وبعضِ النُّخبةِ ، وكانتْ أيضاً مُبادرةُ وزارة الحج في ندوتها السنويةِ الكُبرى المُعتادَة استمرّت لمدةِ ثلاثِ سنوات ؛ جُمعت أبحاثُ كلِّ سنةٍ في كتاب ، وأيضاً كان توزيعه خاصاً .

هذا إلى جانب تَبَنّي بعضَ مؤسساتِ النّشْرِ لهذا الحَدَث الثقافي بتوجيهِ النّشرِ نحوَ هذه المدينةِ المقدّسةِ كما فعلتْ “مؤسسةُ الفُرْقانِ للتّراث الإسلامي” بلندن التي بلغتْ إصداراتُها المُرْتبطةُ بالمناسبة 12 إصداراً كان آخرُها وأعمقُها أثَرَاً كتابُ “الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة” للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ، إضافةً إلى إصداراتِ بعضِ الصّالوناتِ الثّقافيةِ الاجتماعيةِ المكيّة كـ “مُلتقى الأحِبّة” للأستاذ عبد الحميد كاتب الذي تأسّس عام 1424هـ وبلغتْ إصداراتُه المكيةُ خلال عشرِ سنوات 12 إصداراً مكياً مُؤلِّفاً وتأليفاً ، إلى جانبِ بعض مؤسسات النشر الأخرى التي بادرتْ إلى إيلاء المناسبة حقّها ولو على استحياء .

كل هذه المبادرات وما تلاها من اهتمام بتاريخ وثقافة هذه المدينة المقدسة كإنشاء “مركز تاريخ مكة المكرمة” عام 1429هـ وإنْ كان قليلَ الإصداراتِ التي لم تتجاوز الثمانية في ست سنوات ! في مقابل النتاج الثريّ لإصداراتِ وإمكاناتِ دارةِ الملك عبد العزيز .. كل ذلك وما تبعه من تحرّك مكيّ ثقافيّ تجاه توثيق ما فَنِيَ من آثارِ أمّ القرى وذكرياتِها في عُقولِ وقلوبِ أهْلِها ؛ في كتبٍ جسّدَتْ قصةَ الحَاراتِ وأشجَانَ العاداتِ والتقاليدِ والتراثِ الشّعْبي حَرْفاً وصَوْتاً ؛ أثْمَرَ ثروةً وزَخَماً مُتعدّداً منَ الكُتُب التي باتتْ تلقى من الاهتمام والتكريمِ بالخارج أكثرَ منها داخلاً ؛ ولعلّ أقربَها فوْز كتاب “الصهبة والموشحات الأندلسية في مكة المكرمة” للكاتب المكي عبد الله أبكر بالمركز الثالث في “الجائزة العربية للتراث” بدولة الكويت الشقيقة .

فبعد مرور 10 سنوات على احتفالية العالَمِ بمكة المكرمة عاصمةً للثقافة الإسلامية ؛ ألا يستحقّ النتاجُ المكيُّ خلال هذا العَقْدِ من الزمان غرْبلةً وتَقْييماً وجائزةً للمتميّز منهُ دَفعاً لعَجَلة التأليفِ عن هذا البلد الأمين ، وتشجيعاً للمؤلّفينَ للتنقيبِ عن كنوز هذه المدينة المقدّسة على الوَرَق بعد أن استحال تاريخُها الشّاهِدُ أثراً – مُغيّباً تحتَ البُرُوج – بعد عَيْنٍ ما زالتْ تُفقأ كلّ حينٍ بقَصْدٍ وبدُونِ قَصْد !

إنّ مكة المكرمة تمرّ بمرحلةِ تغييرٍ جِذْريّة كبيرة ؛ اختفتْ فيها الكثيرُ من مَعَالِمِها التاريخية القريبة قِدَماً ، ونشأتْ أجيالٌ انفصلتْ لديهم حَقائقُ التاريخ المكيّ المُتواترة عن آثارِهِ الشّواهِدِ على الأرض ؛ فلم يعُد يُسْعِفُ الحَقيقةَ في أذهانِ جِيلِ اليوم سِوى استِجْداءُ الخيالِ بعدَ فِصامِ المَعْلَمِ المُقام 14 قرناً عن حكاية مَقَالِهِ التاريخية .. يقول الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان في محاضرته القيّمة “إبداع الفقهاء المكيين في علم المناسك” التي ألقاها بمنتدى عمر قاضي المكي في مساء 13 /11/ 1433هـ : “ما قالهُ المؤرّخُ المكيُّ الأزرقيُّ عن مَعَالم مكةَ وآثارها في القرن الثاني الهجري ؛ شاهدتُهُ كله بعيني في القرن الرابع عشر الهجري ، لكنْ الآن بالقرنِ الخامس عشر الهجري لا يوجدُ مَعْلَمٌ أو أثرٌ من مَعَالِم وآثار مكة القديمة ! حتى بِتْنَا الآن نحتاجُ إلى أزْرَقيٍّ جديدٍ يكتبُ تاريخَ مكةَ الحديث” ! وقد حان أوانُ بَعْث الأزرقيّ من جديد .

ألا تستحق مكةُ العاصمة المقدسة قبلة المسلمين بتاريخها العريق في الثقافة الإسلامية ومركزيّتها الممتدّة عبرَ التاريخ أن تحملَ جائزةً خاصة بها للكِتَاب ؟! إلى متى والكتاب والكاتب المكي يُحتفى به خارجها ؟! متى تتظافر الجهود لانطلاق جائزة خاصة بكتاب مكة متجدّدةً في كل عام ؟! لقد بدأها الأزرقي مبادرةً قبل قرون وفتح باب التأليف فيها على مصراعيه ، ولن ينْضبَ معينُها الزّمزميّ العميقُ المَدَد الربّاني ؛ والكلّ ملتمسٌ فيها غرْفاً من البحرِ أو رَشْفاً من الدّيَمِ ، وآخذٌ منها بحَظّهِ في بِرّها .

وللحقيقة كنتُ ومن واقع إشرافي على مكتبة الكتب المكية بموقع قبلة الدنيا الإلكتروني [url]www.makkawi.com[/url] ؛ قد طرحتُ – قبل أكثر من عامٍ – فكرةَ “جائزة كتاب قبلة الدنيا” لأفضل كتاب مكي أو لكاتب مكي خلال عام ، جائزةً تتكرر كل سنة ، ويكون لها لجنة علميّة لتحكيم الكتب فنياً وعلمياً ، يُعلن عنها ويُحتفل بالفائزين بها تحت رعاية مكيّة كريمة تدعمُ الثقافة والفكر النابع من هذه الأرض المباركة ، ولا يزال الاقتراح حتى الآن قائماً .

وليس هناك مانعٌ أن تستظلّ الجائزةُ برعاية أي مؤسسة حكومية أو أهلية مجتمعيّة ؛ المهم أنْ تُحكّم بعيداً عن أسوار الأكاديميين وقيودهم ، وأهواء المتسلّقين وفُلُولهم ، نحتاج إلى أهل مكة – من أهل العلم والفكر – الأدرى بشعابها ؛ ليشاركوا وينفّذوا ويقوّموا بكل ما فيها وما عليها ، نريدُ لجنة تحكيم علميّة أهليّة متنوّعة مُحايدة ، ولا مانعَ أن تكونَ – في بعضِ أعضائها – من خارج المملكة إن لزمتْ الموضوعيّةُ ذلك .. لا نريد داعماً يُملي ، ولا واهباً يتململ ، ولا مُحَكّماً يَمِيل ؛ إنما نريدُهم مُنْصِفين لأمّ القرى انتساباً ومحبةً خالصةً لربّ البيتِ في أهلِهِ وجيرانِه .

فهل تكونُ هذه الجائزةُ لذاك الكِتاب الباحِثِ في أسرار مكةَ ثقافةً وفكراً وأمجاداً خالدةً في صفحات التاريخ عبر تراكم المعرفة المتدفّقة ؟! هل تحملُ اسم “الأزرقي” باذرِ أول كتابٍ مُثمرٍ في تاريخ هذه البلدةِ الآمنةِ ؟! تساؤلات وأمنيات نرجوها ونأملُ أن تتحقّق في القريب العاجل بمشيئة الحق سبحانه وتعالى وجهود المخلصين من أبناء البلد الحرام ومحبّيه الكرام .

[COLOR=#FF000F]* مِن آخِرِ السّطْر : [/COLOR]

قبل أسابيعَ قليلة انطلقتْ التّهاني والبشَارات من كلّ حَدْب وصَوْب مكّي ، وتدفّقَتْ التبرّعات المكيّة الماليّة بسَخَاءٍ بلغَ في ليلةٍ واحدةٍ أكثرَ مِنْ 860 ألف ريال ؛ احتفاءً بفوز “نادي الوحدة” الرياضيّ المكيّ بكأسِ بُطولةِ النُّخْبَة للكرةِ الطائرةِ على مُسْتوى أنْديَةِ المملكة ؛ فهلْ يا تُرَى يَبْلغُ الاحْتفاءُ مَدَاهُ والسّخاءُ مُنتهاهُ فيمَا لوْ كانَ لجَائزةِ كِتَابِ مكةَ ودَعْمِ ثقافَتِها وفِكْرِهَا الخَلّاق ؟! [/JUSTIFY] [email]Shuaib2002@gmail.com[/email]

—————–
مقالات سابقة
[url]https://www.makkahnews.sa/articles.php?action=listarticles&id=46[/url]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى