
- وعد بزراعة شجرة باسم الملك فيصل في القدس الفيصل
(مكة) – عبدالله الزهراني
تصوير – مروان السليمان
أكد القنصل العام لدولة فلسطين السفير محمود اليحيى الأسدي مواقف المملكة الثابتة والمشرفة من القضية الفلسطينية بداية من المؤسس الملك علدالعزيز ثم نجله الملك سعود بن عبدالعزيز، ضمن سلسلة من مواقف الدعم المستمر، تواصلت بعد ذلك في عهد الملك خالد، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز-يرحمهم الله-وصولا الى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله . وفي الورقة التي حملت عنوان (الملك فيصل وقضية فلسطين) ضمن معرض ( الفيصل شاهد وشهيد ) بمكة المكرمة تحدث القنصل العام لفلسطين قائلًا: “إن الشعب الفلسطيني لن ينسى الملك فيصل ذلك القائد البطل الذي جعل من القضية الفلسطينية جذوة ضمير وثورة امل وشحنة ارادة واصرار في نفوس ابناء هذه الامة فقد بدأت علاقة الملك فيصل بالقضية الفلسطينية منذ ان بدأ حياته السياسية مع بداية الربع الثاني من القرن الماضي عندما عينه والده المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز وهو في ريعان شبابه نائباً له في الحجاز وظلت القضية الفلسطينية شغله الشاغل منذ ذلك الحين يحملها معه في حله وترحاله ويدافع عنها في المحافل والمنابر الدولية وفي كل زياراته ولقاءاته واجتماعاته مع قادة وزعماء العالم بكل ما يتمتع به من سمات الحكمة وبُعد الرؤية وبكل ما يملكه من اسلحة المنطق والاصرار والاقناع التي اتسمت بها شخصيته القيادية الفذة منذ نعومة أظفاره ” .
وعن جهود الملك فيصل -رحمه الله- في دعم القضية الفلسطينية قال القنصل الفلسطيني: يمكن أن نعدد بعض مظاهر الجهد الكبير والعطاء الجميل الذي قدمه الفيصل للقضية الفلسطينية عبر عدد من النقاط منها الدعاية للقضية الفلسطينية والدفاع عنها وتجلى ذلك في العديد من المظاهر وربما أن القليلين فقط يعرفون أن جلالته وفق ما ذكره ابراهيم السماري قابل الزعيم السوفيتي استالين وعددًا من القادة السوفييت عام 1932م وبحث معهم القضية الفلسطينية والهجرة اليهودية الى فلسطين والخطر الذي يهدد السلام العالمي من جراء تلك الهجرة مطالباً الحكومة السوفييتية بإتخاذ موقف عادل من القضية الفلسطينية، ويعود الفضل للملك فيصل في تحويل فرنسا عام 1967م من حليف استراتيحي وداعم اساسي ومورد رئيس للأسلحة لإسرائيل الى بلد اوروبي محايد ازاء قضية الشرق الاوسط بل الى بلد منحاز للحق الفلسطيني في الكثير من المواقف.
وأضاف السفير محمود الأسدي القنصل العام لدولة فلسطين: «بدأت علاقة الفيصل بالقضية الفلسطينية وهو في ريعان شبابه وظلت شغله الشاغل يدافع عنها في كل لقاءاته حيث رأى أنها قضية مقدسات وإيمانه بها فبذل جهود كبيرة في هذا الجانب ومنها مناشدته للشعوب لنصرة مقدساتهم من خلال حديثة في مواسم الحج لرؤساء الدول بأن يهبوا لنصرة القضية الفلسطينية ومطالبة للدول بعدم الهجرة اليهودية لفلسطين وضم فلسطين لجامعة الدول العربية وتشكيل اللجان الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أنه سوف يتم زارعة شجرة في القدس تحمل اسم الفيصل تخليدا لذكراه.
واعتبر الأسدي أن مواقف الملك فيصل من القضية الفلسيطية ترجمه صادقه لتوجهه الاسلامي ورؤيته للقضيه الفلسطينية على انها قضية مقدسات اولا وقبل اي شئ . وأشار القنصل العام لفلسطين إلى أن إدراك الفيصل المبكر لأهمية القضية الفلسطينية وارتباطها بالعقيدة الإسلامية جاء من انخراطه في العمل السياسي نائبا لوالده في الحجاز و وزيرا للخارجية، حيث شعر انه مسؤول عن القضية،وان مسؤوليته ذات أبعاد ثلاثة عقدية واخلاقية وانسانية.
ففي عام ١٩٣٨م مثل الفيصل والده في مؤتمر لندن حول القضية الفلسطينية والقى خطابا هامًا عارض فيه مشروع تقسيم فلسطين بشدة الذي يؤذن باضطرابات لاتنتهي في الشرق الاوسط”، وصرح جلالته لمجله “نيوزويك”في غضون تلك الفتره بأن اليهود لاصلة لهم بحائط المبكى(البراق)،واذا اصروا علو البكاء”فسنبني لهم حائط يبكون عليه”.
وانتقد الفيصل تقرير اللجنه الانجلو-امريكية التى زارت فلسطين عام ١٩٤٦م لما فيه من اجحاف بالحقوق الفلسطينية ، وهاجم التأييد الامريكي للتقرير، وقال انه لا يتفق مع روح العدالة التى يتصف بها ميثاق الأمم المتحدة. وعندما قام بزياره القدس في نهاية ذلك العام قال:”ان هذه التربة المقدسة امانة في ايدي العرب ونحن العرب سنعارض اي محاولة للتقسيم”.
و عندما طرحت القضية في الامم المتحدة عام19٤٧م ، وترأس الملك فيصل وفد المملكة العربية السعودية قال في خطابه الذي مثل فيه الوفود العربية: “لايجب اعتبار اليوم يوم فلسطين، بل هو في الحقيقة يوم الامم المتحدة ، مخطابا الأمم المتحدة بأن تتذكر انه في الميثاق تعهد أعضاء المنظمة بأنهم سيقفون في وجه كل معتد، متسائلا : افليس مايحدث في فلسطين مثالاً للعدوان الفاضح؟ .
وأشار الأسدي إلى إيمان الملك فيصل الراسخ بأن المملكة وفلسطين ترتبطان بعضهما ببعض برباط عضوي وثيق من خلال الارتباط العقدي بين اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من جهة وبين ارض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومهد الرسالة من الجهة الاخرى،و هو ماعبر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما اعتبر ان مكه المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف ثلاث شقيقات.
ويحسب للفيصل نجاحه في ادخال فلسطين عضواً في الجامعة العربية ــ رغم رفض البعض ــ منذ انشائها عام ١٩٤٥م بزعم ان ميثاق الجامعة ينص على عدم قبول اي دولة عضو في الجامعة الا اذا كانت مستقلة. كما تبنت المملكة في عهد الفيصل الموقف نفسه ازاء ضم فلسطين الى منظمة المؤتمر الاسلامي التى انعقد مؤتمرها الأول في عام ١٩٦٩م عندما احتجت بعض الدول بأن المؤتمر يمثله حكومات، ورفضت المملكة هذه الحجة على اساس ان القضية الفلسطينة هي محور مناقشات المؤتمر، وانه من الضروري مشاركة وفد فلسطيني يمثل منظمة التحرير الفلسطينية طالما ان المؤتمر اجتمع لمناقشة قضية القدس والقضية الفلسطينية . واستطاعات المملكة ان تتوسط الى حل وسط مؤداه مشاركة المنظمة في المؤتمر بصفه مراقب حتى استطاعات ان تؤكد عضويتها الكاملة.
كما يعود الفضل للملك فيصل في تشكيل اللجان الشعبية لمساعدة مجاهدي واسر شهداء فلسطين عقب نكسة يونيو/حزيران١٩٦٧م والتي عهد برئستها لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عندما كان اميراً لمنطقه الرياض عبر اثني عشر مكتباً غطت معظم المدن الرئيسة في المملكة.
ويذكر ابناء الشعب الفلسطيني المقيمين في هذا البلد الطيب كيف كان سلمان العزم والحزم يبدي حرصه الشديد على الحضور والمشاركة في احتفالات اللجان الشعبية السنوية بذكرى ثوره فتح وحرصه على ان يكون خطابه في تلك المناسبة وثيقة عهد في التزام المملكة بدعم ومساندة الشعب الفلسطيني في نضاله العادل من اجل استرداد حقوقه المشروعة واستعادة ارضه المغتصبة. كما يحسب للفيصل انه كان وراء الاقتراح الذي طرح في قمه الخرطوم العربية في اغسطس ١٩٦٧م لدعم دول المواجهة مصر وسوريا والأردن بالإضافه الى منظمة التحرير الفلسطينية وتحملها للنصيب الأكبر في هذا الدعم حتى ازاله اثار العدوان، معتبرا ذلك التزاما عربيا وليس مساعده او منة. وصار الفيصل اشد مرارة عدائه لإسرائيل عقب احتلالها للقدس الشريف في حرب يونيو ٦٧، ويتجلى ذلك في كلمته الموجهة للحجيج في عام ١٩٦٨م بقوله: “ان هناك مقدسات لكم تداس وتهان يوميا، فهناك ارض المعراج، هناك اولى القبلتين، هناك ثالث الحرمين الشريفين، فهو لنا جميعا،انه ليس للعرب دونكم، لكنه للمسلمين،جميعا وانه ليتعرض اليوم لأظلم الكيد ،واني لأهيب بإخواني المسلمين ان يهبوا لنصرة دينهم، والدفاع عن مقدساتهم، لأن الله سبحانه وتعالي قد فرض علينا ذلك، وقال في محكم التنزيل:”فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه“.
كما اتسم رد فعل جلالته بالغضب الشديد على اثر محاولة إسرائيل احراق المسجد الاقصى المبارك ووجه بهذه المناسبة نداء للأمه قال فيه: “في هذه اللحظة التاريخيه التي امتدت فيها يد الصهاينة الاثمه الى اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه. فإنني اناشد قادة المسلمين وشعوبهم في مشارق الارض ومغاربها ان يهبوا لتحرير مقدسات الاسلام في القدس العزيزه، متسلحين بالايمان الذي هو اقوى سلاح، و واضعين امان اعينهم ماوعدهم الله في كتابه العزيز الذي يقول:”وكان حقا علينا نصر المؤمنين“، معتبرا ان الصهيونية اللئيمة الماضية في عدوانها الاجرامي غير عابئة بجميع قرارات الامم المتحده وبالقيم الإنسانيه لاتؤمن الا بمنطق القوة، وان جميع الحلول السليمة التي تطلع على العالم كل يوم ماهي الا سراب تعطي فرصة للصهيونية العالميه لتنفيذ مخططها التوسعي للسيطرة على العالم . وبادر جلالته بالدعوه الى عقد مؤتمر قمة اسلامي، وهو المؤتمر الذي أسفر عن تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي لعبت دورا بازرا في دعم القضية الفلسطينية بحيث انها تعتبر اول منظمة دولية اقليمية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني،وسبقت بذلك جامعة الدول العربية ذاتها. ومن شهادات التاريخ للملك فيصل، ذكر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إن جلالة الملك فيصل استدعاه ذات مره، وكانوا في احدى الدول العربية،فقال له الملك فيصل: هل انت متجه الى مصر؟ قال له عرفات لماذا؟ قال الملك:اذا التقيت بالسادات فقل له القدس..القدس..القدس يقول عرفات: ولم اكن انوي الذهاب الى مصر، ولكنني توجهت اليها و اوصلت الرسالة الى رئيس السادات، وتوفي بعدها الملك فيصل بيوم واحد.
كما يقول وزير الخارجيه الامريكي الاسبق هنري كيسنجر في مذكراته انه عندما التقى بالملك فيصل في جده،عام ١٩٧٣م،في محاوله لإثنائه عن وقف ضخ البترول،رآه متجهما ،فأراد ان يستفتح الحديث معه بمداعبه،فقال: “ان طائرتي تقف هامده في المطار،بسبب نفاذ الوقود،فهل تأمرون جلالتكم بتموينها؟ فلم يبتسم الملك،بل رفع رأسه نحوي وقال: وانا رجل طاعن في السن،وامنيتي ان اصلي ركعتين في المسجد الاقصى قبل ان اموت،فهل تساعدني على تحقيق هذه الامنية؟.
كما يقول الاستاذ معروف الدواليبي في (مذكراته) إن الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول قال للملك فيصل:يتحدث الناس انكم ياجلاله الملك تريدون ان تقذفوا بإسرائيل في البحر، واسرائيل هذه اصبحت امرا واقعاً، ولايقبل احد في العالم رفض هذا الامر الواقع، اجاب الملك فيصل: يافخامه الرئيس أنا استغرب كلامك هذا، أن هتلر احتل باريس واصبح احتلاله امراً واقعاً، و كل فرنسا استسلمت الا انت،انسحب الجيش الانجليزي، وبقيت تعمل لمقاومه الامر الواقع حتى تغلبت عليه، فلا انت رضخت للأمر الواقع، ولاشعبك رضخ، فأنا استغرب منك الان ان تطلب مني ان ارضى بالأمر الواقع، والويل يافخامة الرئيس للضغيف اذا احتله القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول:ان الاحتلال اذا اصبح واقعا فقد اصبح مشروعاً.
ويقول معروف:دهش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركزة بهذا الشكل للملك فيصل ،فغير ديجول لهجته وقال:ياجلالة الملك:يقول اليهود ان فلسطين وطنهم الاصلي وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك.. اجاب الملك فيصل:فخامة الرئيس انا معجب بك،وانت بلا شك تقرا الكتاب المقدس،اما قرأت ان اليهود جاءوا من مصر غزاة فاتحين،حرقوا المدن،وقتلوا الرجال والنساء والاطفال،فكيف تقول ان فلسطين بلدهم،وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون،وانت تريد الاستعمار الذي حققته اسرائيل منذ اربعه الآف سنه،فلماذا لاتعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثه الآف سنه فقط؟!
وطرح الفيصل سؤالا على الرئيس الفرنسي:” انصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود،ولا نصلحها لمصلحة روما؟! ، مضيفا : ونحن العرب امضينا مئتي سنه في جنوب فرنسا،في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنه ثم نفوا ، بعدها قال ديجول:ولكنهم يقولون ان اباهم وُلِد فيها!؟ اجاب الفيصل:غريب!عندك الان مئه وخمسون سفارة في باريس،واكثر السفراء يولد لهم اطفال في باريس،فلو صار هؤلاء الاطفال رؤساء يطالبونك بحق الولاده في باريس،فمسكينة باريس! لا ادري لمن ستكون!؟ ” وبعدها سكت ديجول وقال: الان فهمت القضيه الفلسطينية،اوقفوا السلاح المصدر لإسرائيل ،وصار يردد دائما (الفضل لفيصل الذي فهمني حقيقة قضية فلسطين).
أما الرئيس المصري الراحل انور السادات فيقول ان الملك فيصل هو بطل معركة العبور،وسيحتل الصفحات الاولى من تاريخ جهاد العرب وتحويلهم من الجمود الى الحركة،ومن الانتظار الى الهجوم،وهو صاحب الفضل الاول في معركة الزيت،فهو الذي تقدم الصفوف واصر على استعمال السلاح الخطير. ووصل موقف الفيصل الى ذروته في التضامن مع الشعب الفلسطيني حينما خاطب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون خلال زيارته للمملكة عام ١٩٧٤ بقوله:”ان مالحق بالشعب العربي الفلسطيني من ظلم وعدوان لامثيل له في التاريخ،حتى في العهود المظلمة،فقد شرد شعب كامل من آرضه ووطنه لإحلال شعب اخر مكانه.

السفير محمود الأسدي يتوسط السفير اليمني علي العياشي ورئيس التحرير الزميل عبدالله أحمد الزهراني









