
احتدمت المعركة ولمعت السيوف وارتفع الصليل والصهيل والقائد الزهراني في الأعداء يصول ويجول، ويسطر بانتصاراته التاريخ يكتبه بالدماء والنزيف بلا تحريف أو تزييف، في مواجهة المستعمر التركي العنيف.
وتتعاقب بعده الأجيال لتنظر إلى تاريخ الأبطال في ميادين القتال والنزال، يحركهم يمينًا وشمال قائد شهم شجاع عرف تمامًا طرق الجبال وصنع منها للعدو مكائدًا وحبال حتى أفنى جند الأتراك من الطغاة وجعلهم يبكون كالنساء على الأطلال.
إنه القائد الأمير بخروش بن علاس الزهراني، الذي ولد عام 1170 للهجرة في قبيلة زهران، فتعلم فيها معاني الشهامة والرجولة وفنون القتال، حتى غدا فيها بطلًا تضرب باسمه الأمثال، ولما ذاع صيته في الأمصار صار منشودا في كل المعارك للقتال، فتولى الأمر في الحجاز وما جاورها خلال فترة حكم الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود للدولة السعودية الأولى.
وكان بخروش مضرب مثل في الشجاعة والقوة والإصرار والإخلاص والتفاني للدعوة والدولة؛ حتى قال عنه المؤرخ الإيطالي جيوفاني فيناتي الذي رافق غزوة محمد علي باشا في حربه ضد الدولة السعودية الأولى: “لم يشهد العرب أشجع من بخروش في زمانه”.
ويذكر المؤرخون، كيف كان القائد بخروش قلعة راسخة في التصدي للحملات العثمانية للإطاحة بالدولة السعودية الأولى، وكيف هزم أعتى جيوشها في أشرس وأشد المعارك بحكمة وحنكة عسكرية قل مثيلها في ذلك الزمان.
وخاضت قبيلة زهران بقيادة بخروش بن علاس, أربعة حروب شرسة ضد العثمانيين، فنكلوا فيهم وقتلوا منهم الآلاف في كمائن ساعدتهم فيها طبوغرافيا جبال الحجاز بمداخلها العسيرة جداً.
وأبدت قبيلة زهران شجاعة لافتة في دحر موجات المد العثماني خلال القرن الثالث عشر الهجري, وارتبط ذلك بالقائد بخروش بن علاس, من قرية العُدية ببلدة الحسن في وادي قريش.
ولعلّ أبرز المعارك التي سجلها التاريخ للأمير بخروش، هي التي نجح فيها باستدراج جيش عثماني كامل متكامل إلى عقبة ذي منعة، واستغل قممها الشاهقة بوضع صخور عملاقة عليها وعندما اقترب منها الجيش العثماني واستقر أطلقوها عليه فهزمه شر هزيمة وقتل معظم الجيش وفر الآخرون ليحدثوا عن الكابوس الذي رأوه بان المنطقة مسكونة بالجن.
وتوفي القائد بخروش بن علاس الزهراني، عام 1230 للهجرة، بعد أن ضرب أروع الأمثال في الشجاعة والتفاني والإخلاص في الدعوة، وسقط في يد العثمانيين أسيرًا فقتل وقُطع رأسه، وأرسل رأسه مع رفيق دربه طامي بن شعيب إلى مصر ومنها إلى إسطنبول، التي أعدم فيها ابن شعيب.
ويرى الباحث عبدالحي الغبيشي، أن القائد بخروش بن علاس، يعتبر أحد قادة النضال ضد الاستعمار العثماني هو ورفاقه طامي بن شعيب المتحمي، وابن شكبان وعثمان المضايفي وغيرهم.
وأوضح الغبيشي، أن بخروش ورفاقه كانوا أصحاب غيرة على الأوطان التي هي الدين والأعراض والأرض، ولم ينصفهم التاريخ، مستشهدا بأبيات من الشعر:
إذا المرء لم يُدنس من اللؤم عِرضه فكل رٍداءٍ يرتديه جميلُ
وإن هو لم يحمل عن النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل
وما قل من كانت بقاياه مِثلنا شباب تسامى للعُلى وكهولُ
ومامات منا سيدٌ حتف أنِفِه ولا طُل منا حيثُ كان قتيلُ
وأضاف أن “هذا الرجل لم يأخذ حقه إنصافاً ولا تمجيداَ بالرغم من أنه تحدث عنه الكثير من المؤرخين والمستشرقين أمثال المستشرق جيوفاني الذي قال كلمته للتاريخ: لم يشهد العرب أشجع من بخروش”.
وأشار إلى أن الكتاب المعاصرين ومنهم الأديب محمد بن زياد ألف عنه كتاباَ، تناولوا دفاعه عن المنطقة ونضاله عن الدعوة وتصديه لغزوات العثمانيين، إضافة لكونه حاكماً وقائداً لزهران وغامد في عصره (1170 -1230)تقريباً.
وأكد أن “بخروش بن علاس عرف بجرأته لا يخاف أو يهاب العدو، ولقن الأتراك درسا لن ينسوه، كما وجه رسالة تهكم واحتقار للقائد محمد علي باشا، ومن أبرز ملاحمه ومعاركه: معركة تربة وادي الحمى والقنفذة ووادي قريش ومعركة بسل”.






ونعم الرجل
ونعم بأميرنا الشهيد بأذن الله بخروش بن علاس.
الله يرحم امير زهران وفارسها